- قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ): هُوَ مِنْ نُصُوْصِ الوَعِيْدِ.

وَفِي ظَاهِرِهَا إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُفهَمُ مِنْهَا الكُفْرُ المُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ، وَأَنَّ صَاحِبَهَا خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ - رُغْمَ أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ لَيْسَ بِشِرْكٍ أَصْلًا! - وَفِي الجَوَابِ عَلَيْهَا أَقْوَالٌ (?):

1) مَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ وَالخَوَارِجِ الَّذِيْنَ يَأْخُذُوْنَ بِظَاهِرِ نُصُوْصِ الوَعِيْدِ (?)، فَيَرَوْنَ الخُرُوْجَ مِنَ الإِيْمَانِ بِهَذِهِ المَعْصِيَةِ، لَكِنَّ الخَوَارِجَ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ كَافِرٌ، وَالمُعْتَزِلَةَ يَقُوْلُوْنَ: هُوَ فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ، وَتَتَّفِقُ الطَائِفَتَانِ عَلَى أَنَّهُم مُخَلَّدُوْنَ فِي النَّارِ، فَيُجْرُوْنَ هَذَا الحَدِيْثَ وَنَحْوَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يَنْظُرُوْنَ إِلَى الأَحَادِيْثِ الأُخْرَى الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ إِيْمَانُ - وَإِنْ قَلَّ -، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ مَآلًا. وَمَذْهَبُ هَؤُلَاءِ مِنَ الخَوَارِجِ وَالمُعْتَزِلَةِ مَرْدُوْدٌ مُخَالِفٌ لِلإِجْمَاعِ. (?)

2) أَنَّ هَذَا الوَعِيْدَ هُوَ فِيْمَنِ اسْتَحَلَّ هَذَا الفِعْلَ. (?)

3) أَنَّ نُصُوْصَ الوَعِيْدِ هَذِهِ تُمَرُّ كَمَا جَاءَتْ وَلَا يُتَعَرَّضُ لِمَعْنَاهَا، بَلْ يُقَالُ: هَكَذَا قَالَ اللهُ وَقَالَ رَسُوْلُهُ وَنَسْكُتْ، وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيْرٍ مِنَ السَّلَفِ، كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ. (?)

4) أَنَّ هَذَا نَفْيٌ مُطْلَقٌ، وَالنَّفْيُ المُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى المُقَيَّدِ، فَيُقَالُ: لَا يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ دُخُوْلًا مُطْلَقًا - يَعْنِي لَا يَسْبِقُهُ عَذَابٌ -، وَلَكِنَّهُم يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ دُخُوْلًا يَسْبِقُهُ عَذَابٌ بِقَدْرِ ذُنُوْبِهِم - إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُم أَوْلًا -، ثُمَّ مَرْجِعُهُم إِلَى الجَنَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نُصُوْصَ الشَّرِيْعَةِ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُلَائِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى القَوَاعِدِ وَأَبْيَنُ حَتَّى لَا تَبْقَى دِلَالَةُ النُّصُوْصِ غَيْرَ مَعْلُوْمَةٍ، فَتُقَيَّدُ النُّصُوْصُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. (?)

5) أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ حَرِيٌ أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِسُوْءِ الخَاتِمَةِ، فَيَمُوْتُ كَافِرًا، فَيَكُوْنُ هَذَا الوَعِيْدُ هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُوْلُ حَالُهُ إِلَيْهِ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015