- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَا صِحَّةُ زَعْمِ بَعْضِهِم فِي أَنَّ مَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ لَا يَمْلِكُ لِأَهْلِهِ وَلِلنَّاسِ شَيْئًا؛ أَنَّهُ لَا يَعْنِي عَدَمَ نَفْعِهِ لَهُم فِي الآخِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ نُفِيَ عَنْهُم النَّفْعُ هُمُ الَّذِيْنَ لَمْ يُؤمِنُوا بِهِ أَصْلًا، فَالمَقْصُوْدُ بِالحَدِيْثِ هُوَ (لَا أُغْنِي عَنْكُم مِنَ اللهِ شَيْئًا إِذَا لَمْ تُؤمِنُوا، أَمَّا إِذَا آمَنْتُم فَإِنِّي أُغْنِي عَنْكُم)!

الجَوَابُ: هَذَا الزَّعْمُ لَيْسَ بِصَحِيْحٍ، فَهُنَا نَفِيٌ مُطْلَقٌ؛ وَلَا يَخْتَصُّ بِالكُفَّارِ فَقَطْ - كَمَا يَزْعُمُهُ أَرْبَابُ التَّعَلُّقِ بِالصَّالِحِيْنَ -؛ بَلْ أَيْضًا أَهْلُ الإِيْمَانِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ لَا يُغْنِي عَنْهُم شَيْئًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ:

أ) أَنَّ هَذَا نَفْيٌ مُطْلَقٌ؛ فَيَشْمَلُ الجَمِيْعَ، وَلَا دَلِيْلَ هُنَا عَلَى التَّخْصِيْصِ.

ب) أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِعُمُوْمِيَّاتِ الشَّرِيْعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوْبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُوْنَ} (آل عِمْرَان:128).

وقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ} (آل عِمْرَان:129).

وقَالَ تَعَالَى أَيْضًا: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيْرٌ وَبَشِيْرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُوْنَ} (الأَعْرَاف:188).

جـ) أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ (لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرَاحَةً؛ فَإِنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مُؤْمِنَةٌ (?)؛ وَمَعْ ذَلِكَ خُوطِبَتْ بِهَذَا الخِطَابِ.

د) أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ شَيْئًا، قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (الانْفِطَار:19)، وَتَأَمَّلْ كَونَ النَّفْسِ فِي الآيَةِ جَاءَتْ نَكِرَةً فِي المَوْضِعَيْنِ! الأَمْرُ الَّذِيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَيًّا كَانَ الشَّافِعُ؛ وَأَيًّا كَانَ المَشْفُوعُ فِيْهِ؛ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.

هـ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ قَدْ بيَّنَ فِي بَعْضِ أَحَادِيْثِهِ الشَّرِيْفَةِ أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْ أُمَّتِهِ نَفْسِهَا شَيْئًا إِذَا جَاءُوْهُ بِالمَعَاصِي - وَلَيْسَ بِالكُفْرِ فَقَط -، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِنَّ أَوْلِيَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ المُتَّقُوْنَ - وَإِنْ كَانَ نَسَبٌ أَقْرَبَ مِنْ نَسَبٍ - فَلَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُونَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ، فَتَقُوْلُوْنَ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُوْلُ: هَكَذَا وَهَكَذَا؛ لَا) وَأَعْرَضَ فِي كِلَا عِطْفَيْهِ). (?)

وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فَهِيَ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ، وَلَكِنَّهَا مِلْكٌ للهِ تَعَالَى، لِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ يَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ وَفِيْمَنْ شَاءَ أَنْ يُشْفَعَ فِيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} (النَّجْم:26). وَسَيَأْتِي قَرِيْبًا - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الشَّفَاعَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015