الدَّلِيْلُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ عِنْدَ زِيَارَةِ القُبُوْرِ مِنَ الدُّعَاءِ لِلأَمْوَاتِ بِصِيْغَةِ الخِطَابِ (السَّلَامُ عَلَيْكُم)، وَأَيْضًا تَسْمِيَتُهَا بِـ (زِيَارةِ القُبُوْرِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُم يَعْلَمُوْنَ مَنْ يَزورُهُم. (?)

وَالجَوَابُ:

أ) أَنَّ لَفْظَ الخِطَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَبَدًا أَنْ يَكُوْنَ المُخَاطَبُ سَامِعًا لِلنِّدَاءِ (?)، كَمَا فِي مُخَاطَبَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلحَجَرِ الأَسْوَدِ فِي قَوْلِهِ (إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. (?) (?)

وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا هَاجَرَ، فَخَاطَبَ مَكَّةَ قَائِلًا: (وَاللهِ؛ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ). (?)

وَكَمُخَاطَبَةِ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِم: (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) - وَهُم فِي جَمِيْعِ المَسَاجِدِ - وَلَمْ يَكُنْ يَسْمَعُهُم وَيَرُدُّ عَلَيْهِم السَّلَامَ (?)، وَلَكِنَّهَا عِبَادَةٌ يُتعَبَّدُ اللهُ تَعَالَى بِهَا - أَيْ: دُعَاءُ دُخُوْلِ المَقَابِرِ، وَالتَّشَهُّدُ -. (?)

ب) أَمَّا الاسْتِدْلَالُ بِتَسْمِيَةِ (زِيَارَةِ القُبُوْرِ)؛ وَأَنَّ مَفَادَهَا عِلْمُ أَهْلِ القُبُوْرِ بِمَنْ زَارَهُم كَمَا يُزَارُ الأَحْيَاءُ! فَهُوَ قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيْحٍ مُطْلَقًا، فَكَيْفَ يُقَاسُ المَيِّتُ عَلَى الحَيِّ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا أَبْعَدُ القِيَاسِ، بَلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا قَدْ سَمَّاهَا (زِيَارَةَ القُبُوْرِ وَلَيْسَ زِيَارَةَ المَوْتَى)؛ لِأَنَّ المَزُوْرَ هُنَا هُوَ القَبْرُ وَلَيْسَ المَيِّتَ.

وَنَقُوْلُ أَيْضًا أَنَّ الجَمَادَ أَيْضًا تَصِحُّ تَسْمِيَةُ إِتْيَانِهِ زِيَارَةً، كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيْثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُوْرُ البَيْتَ فِي الحَجِّ (?)، وَمِنَ المَعْلُوْمِ تَسْمِيَةُ طَوَافِ الإِفَاضَةِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَهُوَ فِي المَدِيْنَةِ يَزُوْرُ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا (?)، فَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يَقُوْلُ: بِأَنَّ البَيْتَ وَقُبَاءَ هُمَا مِنَ الأَحْيَاءِ - أَيْ: لَيْسَا بِجَمَادَيْنِ - وَيَشْعُرُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِزِيَارَةِ الزَّائِرِ أَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِزِيَارَتِهِ؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015