على وجه البيان لقوله: لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب.

ولو علمنا ورود الخبرين كذلك لحملناهما على وجهين لا تعارض بينهما: فيقال أراد بقوله:/ لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قبل دباغه. وأراد بقوله: ألا انتفعتم بإهابها إذا دبغوه فانتفعوا به، غير أن ذلك وإن كان جائزًا، فالنسخ الذي ذكرناه ممكن أيضًا. فلأجل ذلك أوقعنا التعارض بينهما، ولا يجب القضاء بتعارض مثل هذا.

وإن روي التاريخ أو كان في لفظ أحد الخبرين ما ينباء عن أنه ناسخ أو منسوخ أن في القصة التي يذكر فيها الحديثان أو أحدهما. وقد ذكر في الحديث من رواية ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميمونة وهي ميتة، فقال: "ألا أخذوا إهابها فدبغوه وانتفعوا به. ثم كتب: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" يريد بذلك لا تنتفعوا به وهو إهاب حتى يدبغ. فسياق هذا الحديث يبين أنه إنما قال: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب متصلًا بقوله: "ألا أخذوا إهابها فدبغوه وانتفعوا به" ومتى ثبتت هذه السيرة حملًا على وجهين لا تعارض بينهما. فلا ينتفع بجلدها ما لم يدبغ، ويحل الانتفاع به إذا دبغ. ولو قاله كذلك لم يكن فيه تعارض.

وكذلك لو صح وثبت أن جلد الميتة لا يسمى إهابًا إذا دبغ. وإنما يسمى بذلك إذا كان على جسد الميتة أو حال يصح أن يكنى به عن الجسد أو إذا انفصل منه، لأنه يكون إذا لم يدبغ في حكم ما هو على الجسد منه. وقد ذكر منتنة لم تدبغ. وأن أهل اللغة لا يسمون الجلد إهابًا إلا إذا لم يدبغ أو إذا كان على الجسد أو في حكم ما هو عليه بدلالة قول عائشة رضوان الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015