الثانية: أَن ترتيب النفيين كما تضمنّه النظم الجليل من باب الترقى في بيان غناه - عز وجل - فكأنه - سبحانه -: لاَ أريد منهم رزقًا ولا ما هو دون ذلك من تقديم الطعام.

الثالثة: أنه - سبحانه وتعالى - قال: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) دون ما أُريد منهم أَن يرزقون؛ لأن المقصود عين الرزق لا الفعل.

وقال - سبحانه - (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) دون: وما أريد من طعام؛ لأن المقصود نفى الفعل نفسه - وهو تقديم الطعام - والمراد أَن الله - تعالى - غنى عن أَن يقدم عباده له رزقًا أو يقوموا على خدمته.

58 - {(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُوالْقُوَّةِ الْمَتِينُ):

أي: إن الله هو الرزاق الذي يرزق جميع خلقه - لا غيره سبحانه - وهو ذو القدرة شديد القوة لا يعجز عن شيء، والجملة تعليل لنفى الإرادة فيما تقدم في قوله - تعالى -: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) قال الإِمام: كون - تعالى - هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق؛ لأن من يطلبه يكون فقيرًا محتاجًا وكونه (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله - سبحانه -: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)؛ لأن من يطلبه يكون عاجزًا لا قوة له، فكأنّه قيل: لا أريد منهم من رزق؛ لأنِّي أنا الرزاق، وما أريد منهم من عمل كالإطعام؛ لأنى قوى متين.

وكان الظَّاهر أن يأتى السياق الكريم (إني أنا الرزاق) كما جاء في قراءة له - صلى الله عليه وسلم - لكن التفت إلى التصريح بالاسم الجليل لبعث الهيبة في النفوس وأنه هو الرازق وحده دون سواه.

59 - (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ):

أي: إذا ثبت أَن الله - تعالى - ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه سبحانه ما يريد منهم من رزق إلى آخر ما تقدم، فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا له من العبادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015