وعلينا أيضًا أن ننظر في الآيات التالية لهذه القصة، فهي ترتبط بهذه القصة ارتباطًا وثيقًا، وتؤكد ما جاء فيها من المعاني، ذلكم أنها تُعلي من قدر أهل التقوى، وتبين بأنَّ المتقين لهم عند ربهم جنات النعيم، وتقارن بين المسلمين والكافرين، الذين سمّتهم الآيات بالمجرمين، فتقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (القلم: 35)، وتناقشهم فيما هم فيه من أباطيل، وتعيب عليهم أنهم لم يستعملوا عقولهم، ولم يلتفتوا إلى آيات الله؛ فتقول: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ * إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (القلم: 36 - 41) وتهددهم بالعاقبة الوخيمة، وأنهم حين أنعم الله عليهم بما أنعم، فكذبوا بالله ورسوله، وكذبوا بهذا القرآن، وأن هذا لا بُدّ أن يكون معلومًا لديهم بأنه استدراج من الله لهم، يقول تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ * سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (القلم: 44، 45)

كما توجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يصبر على أذى هؤلاء، فإن العاقبة العظيمة له، كما قال ربنا: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (القلم: 48) يونس -عليه السلام- {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (القلم: 48) فاستجاب الله له، وتداركه برحمته، ونُبِذَ بالعراء وهو مذموم، {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (القلم: 50).

ثم تبيّن السورة في نهايتها بأنّ هذا الذي يراه من أقوال هؤلاء المكذبين المعاندين، إنما هذا من باب الحسد، فتقول: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} (القلم: 51) {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (القلم: 52)، هذه رسالة عالمية لبني الإنسان، وعلى قدر اتساع هذه الرسالة وعظمها يكون صبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشقاتها.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015