الْعَذَابَ} الآية. يعني بقوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا، قال: هذا صنف آخر).

وعن ابن عباس (قوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} قال: أخبر اللَّه ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} -إلى قوله- {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يقول: من المهتدين، فأخبر اللَّه سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى وقال {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28]، وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110]. قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا).

قال الشوكاني: ({أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} أي لو أن اللَّه أرشدني إلى دينه لكنت ممن يتقي الشرك والمعاصي، وهذا من جملة ما يحتج به المشركون من الحجج الزائفة، ويتعللون به من العلل الباطلة، كما في قوله - {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} - فهي كلمة حق يريدون بها باطلًا).

وقوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

أي: لو كانت لي فرصة العودة إلى الدنيا، وإمكانية الرجعة إليها، لكنت من عباد اللَّه المخلصين الموحدين المؤمنين، فأخبر تعالى أن لو رُدُّوا لما قدروا على الهدى.

وأما نَصب {فَأَكُونَ} فعلى وجهين عند أهل اللغة.

الأول: أن يكون النصب على جواب التمني، أي جواب (لو).

الثاني: أن يكون معطوفًا على (كرّةً) والتقدير: "لو أن لي أن أكرَّ فأكون من المحسنين".

وقد أخرج الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك بسند حسن عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [كُلُّ أهل الجنة يرى مقعدَهُ من النار، فيقول: لولا أن اللَّهَ هداني، فيكونُ لهُ شُكرٌ، وكُلُّ أهلِ النار يرى مقعدَه من الجنة، فيقولُ: لو أن اللَّه هداني، فيكون عليه حسرة] (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015