باب الأذان والإقامة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأذان والإقامة: وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء، والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيها، والإقامة إحدى عشرة كلمة، وينبغي أن يكون المؤذن أميناً صيتاً عالماً بالأوقات، ويستحب أن يؤذن قائماً متطهراً على موضع عالٍ، مستقبل القبلة، فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يزيل قدميه، ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة، ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين، ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها -يعني: للفجر- لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم).

ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول)].

قوله: (هما مشروعان للصلوات الخمس) أي: الأذان والإقامة، والأذان لغة: هو الإعلان، واصطلاحاً: هو الإعلان بدخول الصلاة بألفاظ مخصوصة.

ومن تعريفهم للأذان بهذه الصورة ينبغي أن نعلم أنه لا يجوز لأحد أن يزيد في الأذان حرفاً، أو أن يزيد فيه كلمة، فلا يجوز أن يقول قائل: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله بزعم أنه يحب رسول الله، فإنه كاذب في دعواه؛ لأن من يحب أحد يتبعه، فالمحبة اتباع، وأنت حين تقول: أسيد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد، والسيد مطاع، فالسيد المطاع يأمرك أن تؤذن بهذه الطريقة فتسييدك فيه عدم طاعة، يعني: أنت تسيد قولاً لكنك في واقع الأمر لا تسود.

قلت لأحدهم: هل أنت تحب رسول الله أكثر من بلال؟ قال: نعم، لأنه لا يجد إجابة، فقلت: بلال كيف كان يؤذن هل كان يقول: أشهد أن محمداً أم أن سيدنا محمداً؟ كان يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، وأبو محذورة كان يؤذن هكذا، وهكذا في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يكن فيه سيدنا، فدل ذلك على أنها بدعة محدثة، قالوا: لأن الشافعي قال: من باب الأدب، والأدب قدم على العلم، ويستدلون باستدلالات منها: أن أبا بكر أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي فرفض الأمر وعاد إلى الصلاة مأموماً، فقدم الأدب على الأمر، وفي الحديث: أن أبا بكر كان يصلي بالناس جماعة والنبي صلى الله عليه وسلم في قباء يصلح بين طائفتين وبين قبيلتين- فجاء النبي والصديق يصلي إماماً في الركعة الأولى فصفق الصحابة على أيديهم، فالتفت أبو بكر بطرف عينه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فأشار إليه: أن اثبت، وفي هذا أمر له أن يصلي، فأبى أبو بكر وتراجع، وبعد الصلاة قال له: (ما لك تراجعت إذ أمرتك؟ فقال: ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يصلي إماماً برسول الله)، وهذا من باب الأدب.

قالوا: فـ أبو بكر قدم الأدب على الأمر، إذاً: لنا أن نقدم الأدب على الأمر، فنقول: هذا قياس مع الفارق؛ فهذا أدب أقره النبي صلى الله عليه وسلم، أما (سيدنا) فهو أدب لم يقره، فلا يجوز أن تجتهد في أدب لم يقره النبي صلى الله عليه وسلم، بل أنت بذلك قليل الأدب؛ لأن الأدب أن تتبع، الأدب أن تتبع السنة وأن تطيع السيد الذي تسوده.

فقوله: (الأذان خمس عشرة كلمة)، يعني: أن كلمات الأذان معدودة، فلو أن أحداً قال: ست عشرة فيكون بذلك قد ابتدع.

وهي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، فهذه خمس عشرة كلمة.

والمراد بالكلمة هنا الجملة، ومن ذلك قول الله عز وجل في سورة الكهف: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]، وهم قالوا جملة، وهي: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف:4]، فقال الله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف:5]، فسمى الجملة كلمة، فدل على أن الجملة تسمى كلمة.

فالأذان للصلوات الخمس دون غيرها؛ لأن المقصود منه الإعلان بوقت الصلاة المفروضة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غيرها؛ ولأن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن لها دون غيرها.

وهنا ينبغي أن تفرق بين أذانين: أذان أبي محذورة وأذان بلال، فـ أبو محذورة كان يرجع، وبلال كان لا يرجع.

والترجيع هو أنك قبل أن تتلفظ بأشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله بصوت منخفض.

والأذان الذي له ترجيع له إقامة معينة، والأذان الذي ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015