الباب الثالث في ذكر من استدعى الهدية بشعر

وإذا التقى الثفر القصير وراءه ... فالطول حظ عنانه وحزامه

لانت معاطفه فخيل أنه ... للخيزران مناسب لعظامه

في ضعلة كالشيب مر بمفرقي ... غز لها عن شبيه بغرامه

ومردد بين القوافي يجتني ... ما شاء من ألف القريض ولامه

وكأن صهلته إذا استعلى بها ... رعد يقعقع في ازدحام غمامه

وكأن فارسه وراء قذاله ... ردف فليس تراه من قدامه

لا شيء أجود منه غير فتىً غدا ... من جوده الأوفى ومن إنعامه

وكأن كل عجيبة موصولة ... تتقسم اللحظات في أقسامه

والطرف أجلب زائر لمؤونة ... ما لم يزرك بسرجه ولجامه

حدثنا الأسباطي قال: أهدى بعض بني طولون إلى المريمي في يوم عيد هدية فيها دنانير جدد من ضرب السنة، فكتب إليه المرمي شعرا طويلا، يقول فيه:

لم ترض نيلا جاء يسبق موعدا ... حتى وصلت النيل منك بموعد

ورأيت في بر اللسان وإن حلا ... مذقا إذا لم تبله بر اليد

فحبوتني بعيون وشي مونق ... معه حباء من عيون العسجد

من كل ذي وجهين لم يقنع له ... في الحسن صانعه بوجه مفرد

واشتق من لونين مشرق لونه ... من أصفر في أحمر متوقد

لا روح فيه وما لذي روح غنى ... عنه ولا صبر إذا لم يوجد

مولى لمكرمة وعبد مهيبة ... وترى له الأحرار مثل الأعبد

قال: وامتدح عباس الخياط المصيصي علي بن عامر الحلبي، فدفع إليه ديناراً، فقال يشكره:

أبا حسن أصبحت زين الأقارب ... ودينارك البراق زين المواهب

رأته عيون الحاسدين فخلنه ... من الحسن في كفي إحدى الكواكب

ليهنك منه أنك الرجل الذي ... نجوت به من أمهات عقارب

وقال وامتدح أبا عثمان الأموي فدفع إليه دينارا، فقال:

يا عمرو يا مكنى بعثمان ... أصبح دينارك ذا شان

لما أتى في السبت صرنا به ... منك إلى معيار وزان

فلم يطق وزانه وزنه ... حتى وزناه بقبان

وفيه يقول أيضاً:

دينارك الواثقي نحن به ... نجلو عن العين ظلمة الغسق

إنك يا عمرو حين جدت به ... جاء على حاجة إلى الورق

حاولت تحريكه فأعجزني ... ورمت تعييره فلم أطق

حتى حملناه بين أربعة ... خشن إلى الصيرفي بالوهق

قال: وأهدى ابن يزداد إلى أبي القاسم الخبزأرزي البصري ثيابا وطيبا، ودراهم، ودنانير في بعض الأعياد، فقال يشكره، ويذكر الدراهم والدنانير في شعر طويل:

فأعطيتها تحكي أياديك في الورى ... بياضا وإن كانت أياديك أنصعا

زواهر أوضاحا لها أريحية ... إذا خامرت خمر القلوب تشعشعا

ومن بعدها قد نلت صفرا توقدت ... من السبك حتى صرن كالجمر لمعا

إذا اختلطا كانا كنور وزهره ... زكا بهما غرس النجار فأينعا

كأنهما بيض الوجوه تلألأت ... صفاء بتوريد الخدود مرصعا

وأهدى إليه بعض إخوانه وردا في طن آس وكان ذلك في ابتداء الورد، فكتب إليه:

أبدعت في كل المكارم سابقا ... حتى لقد أبدعت في إهدائكا

أتحفتني بالورد قبل أوانه ... في قضب آس غضة كإخائكا

فالورد عن نفحات عرضك مخبر ... والآس يخبر عن دوام وفائكا

فاسلم ونشر الورد حسن ثنائكا ... واعمر وعهد الآس طول بقائكا

الباب الثالث

في ذكر من استدعى الهدية بشعر

حدثنا علي بن العباس النوبختي قال: قال لي البحتري: رأيت عند أبي جعفر محمد بن حميد بن عبد الحميد غلاما أعجبني فعملت إليه شعرا أستهديه منه، وأشكو إليه غلمانا كانوا لي أحرارا، فأنفذه إلي، وسمع شعري جماعة من الرؤساء فأهدوا إلى عدة غلمان، والشعر طويل وأوله:

أبكاء في الدار بعد الدار ... وسلوا بزينب عن نوار

يقول فيه:

قد مللناك يا غلام فغاد ... بسلام أو رائح أو سار

سرقات مني خصوصا فإلا ... من صديق أو صاحب أو جار

أنا من ياسر ويسر وفتح ... لست من عامر ولا عمار

لا أحب الغلام يخرجه ال ... تم إلى الاحتجاج بالافتخار

وإذا رعته بناحية السو ... ط على الذنب راعنى بالفرار

هل بأرض العراق يا قوم حر ... يشتريني من خدمة الأحرار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015