تأنق في الهدية كل قوم ... غليك غداة شربك للدواء

فلما أن هممت به مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء

رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لعبك فاقتصرت على الدعاء

وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلطة, وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة, ولا تقع المؤانسة إلا بالبر والملاطفة.

? ? ? حدثني زيد بن أخزم عن عبد الله بن داود قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم. والعرب تقول: من صانع لم يحتشم من كلب الحاجة.

قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك على كاتب فليكن رسولك الطمع. وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.

وقال رؤبة:

لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فانكدوا

نامستهم برشوة فأفردوا ... وسهل الله بها ما شددوا

2- الشعر والشعراء -لابن قتيبة الدينوري (المتوفي 276 هـ) طبعة الشيخ أحمد محمد شاكر- بمصر 1369 هـ.

وكان أبو العتاهية أتى أحمد بن يوسف الكاتب, فحجب عنه, فقال:

متى يظفر الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم

وبعث على بعض الملوك بنعل, وكتب إليه:

نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم إلى المجد

لو كان يحسن أن أشركها ... خدي جعلت شراكها خدي

? ? ? وقال في الهدية:

جزى الله من أهدى الترنج تحية ... ومن بما يهوى عليه وعجلا

أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحلا

ولو أنه أهدى على وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأفضلا

3- الموشى -لأبى الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوشاء (المتوفي سنة 325 هـ) طبعة ليدن 1302هـ- 1886 م

باب ذكر الأشياء التي يتطير الظرفاء من إهدائها

فأما الأترج فإن باطنه خلاف ظاهره, وهو حسن الظاهر, حامض الباطن, طيب الرائحة, مختلف الطعم, ولذلك يقول فيه الشاعر:

أهدى له أحبابه أترجة ... فبكى وأشفق من عيافة زاجر

خاف التلون إذا أتته لأنها ... لونان باطنها خلاف الظاهر

فرق الميتم من حموضة لبها ... واللون زينها لعين الناظر

وأما السفرجل, فلأن فيه اسم السفر, وقد قال فيه الشعر:

متحفي بالسفرجل ... لا أريد السفرجلا

اسمه لو عرفته ... سفر جل فاعتلى

وقال آخر:

أهدت إليه سفرجلا فتطيرا ... ومنه وظل متيما مستعبرا

خاف الفراق لأن أول اسمه ... سفر فحق له بأن يتطيرا

? ? ? وأما السوسن فلأن اسمه السوء, وقال فيه الشاعر:

سوسنة أعطيتنيها وما ... كنت بإعطائكها محسنه

شطر اسمها سوء فإن جئت بال ... آخر منها فهو سوء سنه

وأنت إن هاجرتني ساعة ... قلت: أتت من قبل السوسنه

وقال آخر:

يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا ... ما كنت في إهدائه محسنا

أوله سوء فقد ساءني ... يا ليت أنى لم أر السوسنا

? ? ? وأما الياسمين فلمبدأ اسمه تطير منه, قال الشاعر:

أهدى حبيبي ياسمينا فبي ... من شرة الطيرة وسواس

أراد أن يؤئس من وصله ... إذ كان في شطر اسمه الياس

? ? ? وقد استحسنوا هدايا كثيرة, وتفاءلوا فيها بقول الشاعر, وإن كان بعضها مما ذكرناه أنهم لا يتهادونه من طريق الظرف, واجتنبوه لعلة التسفيل, وأحبوه من حسن التفول. فمن ذلك الرمان, وهو مما ذكرناه أنهم لا يتهادونه لما فيه من التسهيل, وما يقع فيه من التمثيل. وكذلك الشاهلوج, والنبق, والورد, والبنفسج.

فأما الرمان, فقد قال فيه الشاعر:

أهدت إليه بظرفها رمانا ... تنبيه أن وصالها قد آنا

قال الفتى لما رآه تفاؤلا: ... وصل يكون متمما أحيانا

رم يرم تشعثي بوصالها ... لقد التفاؤل صادقا قد كانا

? ? ? وأما الشاهلوج, فهو فيه النوى, وقد تهاداه لموضع تفاؤل الشاعر به إذ يقول:

أهدت إليه الآن شاهلوجا ... تنبيه أن لو جاء كان ولوجا

فمضى على فأل الهدية جاسرا ... عمدا فصار مداخلا خريجا

? ? ? وأما النبق, فهو يستقبل وقد قال فيه الشاعر:

أيا أحسننا خلقا ... ومن فات الورى سبقا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015