وَمَعَانِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَذْكُورَةُ هُنَا تَقَدَّمَتْ فِي خَوَاتِمِ سُورَةِ الْحَشْرِ.

وَمُنَاسَبَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَاتِ هُنَا أَنَّ الْعَظِيمَ لَا ينْصَرف عَن مجْلِس مَنْ كَانَ عِنْدَهُ إِلَّا عِنْدَ انْفِضَاضِ مَجْلِسِهِ أَوْ إِيذَانِهِ بِانْصِرَافِهِمْ.

والْقُدُّوسِ: الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقْصِ وَهُوَ يَرْغَبُ فِي حَضْرَتِهِ. والْعَزِيزِ: يَعْتَزُّ الْمُلْتَفُّونَ حَوْلَهُ. فَمُفَارَقَتُهُمْ حَضَرَتِهِ تَفْرِيطٌ فِي الْعِزَّةِ. وَكَذَلِكَ الْحَكِيمِ إِذَا فَارَقَ أَحَدٌ حَضْرَتَهُ فَاتَهُ فِي كُلِّ آنٍ شَيْءٌ مِنَ الْحِكْمَةِ كَمَا فَاتَ الَّذِينَ انْفَضُّوا إِلَى الْعِيرِ مَا خَطَبَ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ تَرَكُوهُ قَائِمًا فِي الْخطْبَة.

[2]

[سُورَة الْجُمُعَة (62) : آيَة 2]

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2)

اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ إِجْرَاءِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ إِذْ يَتَسَاءَلُ السَّامِعُ عَنْ وَجْهِ تَخْصِيصِ تِلْكَ الصِّفَاتِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ الْحَالُ

مُقْتَضِيًا أَنْ يُبَيَّنَ شَيْءٌ عَظِيمٌ مِنْ تَعَلُّقِ تِلْكَ الصِّفَاتِ بِأَحْوَالِ خَلْقِهِ تَعَالَى إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا يُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ. فصفة الْمَلِكِ [الْجُمُعَة: 1] تَعَلَّقَتْ بِأَنْ يُدَبِّرَ أَمْرَ عباده وَيصْلح شؤونهم، وَصفَة الْقُدُّوسِ [الْجُمُعَة: 1] تَعَلَّقَتْ بِأَنْ يُزَكِّيَ نُفُوسَهُمْ، وَصفَة الْعَزِيزِ [الْجُمُعَة: 1] اقْتَضَتْ أَنْ يُلْحِقَ الْأُمِّيِّينَ مِنْ عِبَادِهِ بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ ذِلَّةِ الضَّلَالِ فَيَنَالُوا عِزَّةَ الْعِلْمِ وَشَرَفَهُ، وَصفَة الْحَكِيمِ [الْجُمُعَة: 1] اقْتَضَتْ أَنْ يُعَلِّمَهُمُ الْحِكْمَةَ وَالشَّرِيعَةَ.

وَابْتِدَاءُ الْجُمْلَةِ بِضَمِيرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِتَكُونَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً فَتُفِيدُ تَقْوِيَةَ هَذَا الْحُكْمِ وَتَأْكِيدِهِ، أَيْ أَن النبيء ص مَبْعُوثٌ مِنَ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ.

وفِي مِنْ قَوْلِهِ: فِي الْأُمِّيِّينَ لِلظَّرْفِيَّةِ، أَيْ ظَرْفِيَّةِ الْجَمَاعَةِ وَلِأَحَدِ أَفْرَادِهَا.

وَيُفْهَمُ مِنَ الظَّرْفِيَّةِ مَعْنَى الْمُلَازَمَةِ، أَيْ رَسُولًا لَا يُفَارِقُهُمْ فَلَيْسَ مَارًّا بِهِمْ كَمَا يَمُرُّ الْمُرْسَلُ بِمَقَالَةٍ أَوْ بِمَالِكَةٍ يُبَلِّغُهَا إِلَى الْقَوْمِ وَيُغَادِرُهُمْ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَقَامَ رَسُولَهُ لِلنَّاسِ بَيْنَ الْعَرَبِ يَدْعُوهُمْ وَيَنْشُرُ رِسَالَتَهُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ فَإِنَّ دَلَائِلَ عُمُومِ رِسَالَة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومَةٌ مِنْ مَوَاضِعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015