ثُمَّ سَقَطَتْ أَوْ أَسْقَطَهَا فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ مِنْ أَثَرِ زَلَازِلَ وَانْفِجَارَاتٍ أَرْضِيَّةٍ بُرْكَانِيَّةٍ.

وَلِكَوْنِ الْمُؤْتَفِكَةَ عَلَمًا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُؤْتَفِكَةَ وأَهْوى تَكْرِيرٌ. وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ لِلِاهْتِمَامِ بِعِبْرَةِ انْقِلَابِهَا.

وَغَشَّاهَا: غَطَّاهَا وَأَصَابَهَا مِنْ أَعْلَى.

وَمَا غَشَّى فَاعل فَغَشَّاها، وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ، وَجِيءَ بِصِلَتِهَا مِنْ مَادَّةِ وَصِيغَةِ الْفِعْلِ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ خَبَرًا جَدِيدًا زَائِدًا عَلَى مُفَادِ الْفِعْلِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّهْوِيلُ كَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ وَصْفَ فَاعِلِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَجِدْ لِبَيَانِهِ أَكْثَرَ مِنْ إِعَادَةِ الْفِعْلِ إِذْ لَا يُسْتَطَاعُ وَصْفُهُ. وَالَّذِي غَشَّاهَا هُوَ مَطَرٌ مِنَ الْحِجَارَةِ الْمُحَمَّاةِ، وَهِيَ حِجَارَةٌ بُرْكَانِيَّةٌ قُذِفَتْ مِنْ فُوَّهَاتٍ كَالْآبَارِ كَانَتْ فِي بِلَادِهِمْ وَلَمْ تَكُنْ مُلْتَهِبَةً مِنْ قَبْلُ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الْفرْقَان:

40] وَقَالَ: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [هود: 82] . وَفَاضَتْ عَلَيْهَا مِيَاهٌ غَمَرَتْ بِلَادَهُمْ فَأَصْبَحَتْ بَحْرًا مَيِّتًا.

وَأَفَادَ الْعَطْفُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ: فَغَشَّاها أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بعقب أهوائها.

[55]

[سُورَة النَّجْم (53) : آيَة 55]

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55)

تَفْرِيعُ فَذْلَكَةٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ: مِمَّا يَخْتَصُّ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى إِلَى قَوْلِهِ: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النَّجْم: 2- 18] .

وَمِمَّا يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ غَيْرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى إِلَى قَوْلِهِ: هُوَ رَبُّ الشِّعْرى [النَّجْم: 43- 49] فَإِنَّ ذَلِكَ خَلِيطٌ مِنْ نِعَمٍ وَضِدِّهَا عَلَى نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَفِي مَجْمُوعِهَا نِعْمَةُ تَعْلِيمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ بِمَنَافِعِ الِاعْتِبَارِ بِصُنْعِ اللَّهِ. ثُمَّ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً [النَّجْم: 50] إِلَى هُنَا. فَتِلْكَ نِقَمٌ مِنَ الضَّالِّينَ وَالظَّالِمِينَ لِنَصْرِ رُسُلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ نِعْمَةٌ عَلَى جَمِيعِ الرُّسُلِ وَنِعْمَةٌ خَاصَّةٌ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِشَارَتُهُ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015