[سُورَة النَّجْم (53) : آيَة 44]

وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44)

انْتَقَلَ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِانْفِرَادِ اللَّهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى إِيجَادِ أَسْبَابِ الْمَسَرَّةِ وَالْحُزْنِ وَهُمَا حَالَتَانِ لَا تَخْلُو عَنْ إِحْدَاهِمَا نَفْسُ الْإِنْسَانِ إِلَى الْعِبْرَةِ بِانْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ،

وَهُمَا حَالَتَانِ لَا يَخْلُو الْإِنْسَانُ عَنْ إِحْدَاهِمَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلُ وُجُودِهِ نُطْفَةٌ مَيْتَةٌ ثُمَّ عَلَقَةٌ ثُمَّ مُضْغَةٌ (قِطْعَةٌ مَيْتَةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا مَادَّةُ الْحَيَاةِ إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْرُزْ مَظَاهِرُ الْحَيَاةِ فِيهَا) ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرّوح فَيصير إِلَى حَيَاةٍ وَذَلِكَ بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ.

وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِبْرَةُ بِالْإِمَاتَةِ لِأَنَّهَا أَوْضَحُ عِبْرَةً وَلِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] ، وَأَنَّ عَطْفَ وَأَحْيا تَتْمِيمٌ وَاحْتِرَاسٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الْملك: 2] . وَلِذَلِكَ قَدَّمَ أَماتَ عَلَى أَحْيا مَعَ الرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَضْحَكَ وَأَبْكى [النَّجْم: 43] .

وَمَوْقِعُ الْجُمْلَةِ كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى [النَّجْم: 40] . فَإِنْ كَانَ مَضْمُونُهَا مِمَّا شَمِلَتْهُ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ كَانَ الْمَحْكِيُّ بِهَا مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:

وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشُّعَرَاء: 81] .

وَفِعْلَا أَماتَ وَأَحْيا مُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [النَّجْم: 43] إِظْهَار لِبَدِيعِ الْقُدْرَةِ عَلَى هَذَا الصُّنْعِ الْحَكِيمِ مَعَ التَّعْرِيضِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْبَعْثِ وَإِمْكَانِهِ حَيْثُ أَحَالَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَشَاهِدُهُ فِي خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ.

وَضَمِيرُ الْفَصْلِ لِلْقَصْرِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى [النَّجْم: 43] رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ يُسْنِدُونَ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ إِلَى الدَّهْرِ فَقَالُوا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] . فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ لِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلِأَنَّهَا مُسْتَقْبَلَةٌ وَالْمُتَحَدَّثُ عَنْهُ مَاضٍ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ أَيْضًا لِمَا بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ من التضاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015