يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج: 43] . فَ الْخُرُوجُ صَارَ كَالْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْبَعْثِ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق: 42] . وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ لِمَا فِي الْخَبَرِ مِنْ دَفْعِ الِاسْتِحَالَةِ وَإِظْهَارِ التَّقْرِيبِ، وَفِيهِ تَشْوِيقٌ لِتَلَقِّي الْمسند إِلَيْهِ.

[12- 14]

[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)

اسْتِئْنَاف ابتدائي ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ [ق: 5] فَعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِبِدْعٍ فِي الضَّلَالِ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أُمَمٌ. وَذَكَرَ مِنْهُمْ أَشْهَرَهُمْ فِي الْعَالَمِ وَأَشْهَرَهُمْ بَيْنَ الْعَرَبِ، فَقَوْمُ نُوحٍ أَوَّلُ قَوْمٍ كَذَبُوا رَسُولَهُمْ وَفِرْعَوْنُ كَذَّبَ مُوسَى وَقَوْمُ لُوطٍ كَذَّبُوهُ وَهَؤُلَاءِ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الرَّسِّ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ فَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ.

وَذُكِرُوا هُنَا عَقِبَ قَوْمِ نُوحٍ لِلْجَامِعِ الْخَيَالِيِّ بَيْنَ الْقَوْمَيْنِ وَهُوَ جَامِعُ التَّضَادِّ لِأَنَّ عَذَابَهُمْ كَانَ ضِدَّ عَذَابِ قَوْمِ نُوحٍ إِذْ كَانَ عَذَابُهُمْ بِالْخَسْفِ وَعَذَابُ قَوْمِ نُوحٍ بِالْغَرَقِ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَمُودَ لِشَبَهِ عَذَابِهِمْ بِعَذَابِ أَصْحَابِ الرَّسِّ إِذْ كَانَ عَذَابُهُمْ بِرَجْفَةِ الْأَرْضِ وَصَوَاعِقِ السَّمَاءِ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ الرَّسِّ مِنْ بَقَايَا ثَمُودَ، ثُمَّ ذُكِرَتْ عَادٌ لِأَنَّ عَذَابَهَا كَانَ بِحَادِثٍ فِي الْجَوِّ وَهُوَ الرِّيحُ، ثُمَّ ذُكِرَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا أَشْهَرَ الرُّسُلِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ هُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ وَهُمْ مِنْ خُلَطَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَعَبَّرَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ بِ إِخْوانُ لُوطٍ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلِهِ، فَالْمُرَادُ بِ إِخْوانُ أَنَّهُمْ مُلَازِمُونَ وَهُمْ أَهْلُ سَدُومَ وَعَمُّورَةَ وَقُرَاهُمَا وَكَانَ لُوطٌ سَاكِنًا فِي سَدُومَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ نَسَبِهِمْ لِأَنَّ أَهْلَ سَدُومَ كَنْعَانِيُّونَ وَلُوطًا عِبْرَانِيٌّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [161] . وَذُكِرَ قَوْمُ تُبَّعٍ وَهُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَلَمْ يَكُنِ الْعَرَبُ يَعُدُّونَهُمْ عَرَبًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015