عَبَّاسٍ «أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا دَعَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى دِينِ آبَائِهِ» قَالَ الْبَغَوِيُّ: كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: ارْجِعْ

إِلَى دِينِ آبَائِكَ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْكَ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ أَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَيَتَضَمَّنُ تَعْلِيلَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ شَرِيعَةِ اللَّهِ فَإِنَّ كَوْنَهُمْ لَا يُغْنُونَ عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ فِي مُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ مِنِ اتِّبَاعِ شَرِيعَتِهِ مَا يُوقِعُ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ اتِّبَاعُ أَهْوَائِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ.

وَالْإِغْنَاءُ: جَعْلُ الْغَيْرِ غَنِيًّا، أَيْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ، فَالْآثِمُ الْمُهَدَّدُ مِنْ قَدِيرٍ غَيْرُ غَنِيٍّ عَنِ الَّذِي يُعَاقِبُهُ وَلَوْ حَمَاهُ مَنْ هُوَ كُفْءٌ لِمُهَدِّدِهِ أَوْ أَقْدَرُ مِنْهُ لَأَغْنَاهُ عَنْهُ وَضُمِّنَ فِعْلُ الْإِغْنَاءِ مَعْنَى الدَّفْعِ فَعُدِّيَ بِ (عَنْ) . وَانْتَصَبَ شَيْئاً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، ومِنَ اللَّهِ صِفَةٌ لِ شَيْئاً ومِنَ بِمَعْنَى بَدَلِ، أَيْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ بَدَلًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، أَيْ قَلِيلًا مِنَ الْإِغْنَاءِ الْبَدِيلِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فِي آلِ عِمْرَانَ [10] .

وَعُطِفَ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أَيْ إِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَأَنْتَ لَسْتَ مِنَ الظَّالِمِينَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّبِعَهُمْ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَتَّبِعُهُمْ مَنْ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ. وَذَيَّلَ ذَلِكَ بِقَولِهِ: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ وَهُوَ يُفِيدُ أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ وَلَيُّهُ لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الْمُتَّقِينَ.

[20]

[سُورَة الجاثية (45) : آيَة 20]

هَذَا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)

إِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَا فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِمُوسَى وَقَوْمِهِ وَمِنْ تَفْضِيلِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَى شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ اتِّبَاعِهَا وَالتَّحْذِيرِ مِنِ اتِّبَاعِ رَغَائِبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِمَا قَبْلَهَا وَالتَّهْيِئَةِ لِأَغْرَاضِهَا تَنْبِيهًا لِمَا فِي طَيِّهَا مِنْ عَوَاصِمَ عَنِ الشَّكِّ وَالْبَاطِلِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ عِدَّةِ آيَاتٍ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ [35] (?) بَلاغٌ وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015