قَبْلَ أَنْ يَحُثَّهُمُ الْعِلْمُ فَلَمَّا اسْتُفِيدَ ذَلِكَ بِالِاسْتِثْنَاءِ صَارَ الِاخْتِلَافُ ثَابِتًا وَمَا عَدَا ذَلِكَ غَيْرُ مَنْفِيٍّ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ خَبَرَهُمُ الْعَجِيبُ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نَفْسِ سَامِعِهِ عَنْ جَزَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ، وَهَذَا جَوَابٌ فِيهِ إِجْمَالٌ لِتَهْوِيلِ مَا سَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَقْتَضِي مُحِقًّا وَمُبْطِلًا.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي سُورَة يُونُس [93] .

[18، 19]

[سُورَة الجاثية (45) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)

ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ، وَلَوْلَا إِرَادَةُ التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لَكَانَتِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً بِالْوَاوِ. وَهَذَا التَّرَاخِي يُفِيدُ أَنَّ مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ بِحَرْفِ ثُمَّ أَهَمُّ مِنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا أَهَمِّيَّةُ الْغَرَضِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ وَالنَّتِيجَةُ عَلَى الدَّلِيلِ. وَفِي هَذَا التَّرَاخِي تَنْوِيهٌ بِهَذَا الْجَعْلِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إِيتَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكتاب وَالْحكم والنبوءة وَالْبَيِّنَاتِ من الْأَمر، فنبوءة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابُهُ وَحُكْمُهُ وَبَيِّنَاتُهُ

أَفْضَلُ وَأَهْدَى مِمَّا أُوتِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ.

وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ، أَيِ التَّمَكُّنِ وَالثَّبَاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .

وَتَنْوِينُ شَرِيعَةٍ لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ حَرْفِ التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015