[سُورَة الزخرف (43) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)

عَطَفَ قِصَّةً مَنَّ أَقَاصِيصِ كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ عَلَى مَا مَضَى مِنْ حِكَايَةِ أَقَاوِيلِهِمْ، جَرَتْ فِي مُجَادَلَةٍ مِنْهُمْ مَعَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا تَصْدِيرٌ وَتَمْهِيدٌ بَيْنَ يَدَيْ قَوْلِهِ: وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ [الزخرف: 63] الْآيَاتِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَطْفِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ذِكْرِ رِسَالَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

واقتران الْكَلَام بلما الْمُفِيدَةِ وُجُودَ جَوَابِهَا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا، أَوْ تَوْقِيتِهِ، يَقْتَضِي أَنَّ مَضْمُونَ شَرْطِ لَمَّا مَعْلُومُ الْحُصُولِ وَمَعْلُومُ الزَّمَانِ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى حَدِيثٍ جَرَى بِسَبَبٍ مِثْلُ ضَرَبَهُ ضَارِبٌ لِحَالٍ مِنْ أَحْوَالِ عِيسَى، عَلَى أَن قَوْلهم أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ

يَكُونَ جَرَى فِي أَثْنَاءِ الْمُجَادَلَةِ فِي شَأْنِ عِيسَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ حِكَايَةِ شُبْهَةٍ أُخْرَى مِنْ شُبَهِ عَقَائِدِهِمْ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ مَا يعرفهُ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ جَدَلٍ جَرَى مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَزِيدُهُ بَيَانًا قَوْلُهُ: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ [الزخرف: 59] وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَخْفَى آيِ الْقُرْآنِ مَعْنًى مُرَادًا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا يُبَيِّنُ إِجْمَالَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا فِي «الْكَشَّافِ» وَزَادَ مِنْ عِنْدِهِ احْتِمَالًا رَابِعًا. وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي «الْكَشَّافِ» وَجْهًا ثَانِيًا وَوَجْهًا ثَالِثًا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا سَمِعُوا من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ إِنَّ مَثَلَ عِيسى.. كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمرَان: 59] وَلَيْسَ خُلْقُهُ مِنْ دُونِ أَبٍ بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِ آدَمَ مِنْ دُونِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ أَوْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ لِأَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ وَسُورَةَ الزُّخْرُفِ مَكِّيَّةٌ قَالُوا: نَحْنُ أَهْدَى مِنَ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ عَبَدُوا آدَمِيًّا وَنَحْنُ عَبَدَنَا الْمَلَائِكَةَ أَيْ يَدْفَعُونَ مَا سَفَّهَهُمْ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يُسَفِّهَ النَّصَارَى فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا الْآيَةَ وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ عَنْ تَجَاهُلٍ بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ رَدٍّ عَلَى النَّصَارَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015