فَضَمِيرُ: أَحْرَزُوا، لِجَمْعِ الْمُشْرِكِينَ، وَضَمِيرُ: جَمَّعُوا، لِلْمُسْلِمِينَ. وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها فِي سُورَةِ الرُّومِ [9] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي السَّبِيلِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ الْمُمْتَدَّةُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ. وَقَدْ مُثِّلَتْ حَالَةُ الَّذِينَ يَعْشُونَ عَن ذكر الرحمان وَحَالُ مُقَارَنَةِ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ بِحَالِ مَنِ اسْتَهْدَى قَوْمًا لِيَدُلُّوهُ عَلَى طَرِيقٍ مُوصِلٍ لِبُغْيَتِهِ فَضَلَّلُوهُ وَصَرَفُوهُ عَنِ السَّبِيلِ وَأَسْلَكُوهُ فِي فَيَافِي التِّيهِ غِشًّا وَخَدِيعَةً، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى حَيْثُ يَبْلُغُ طَلِبَتَهُ.
فَجُمْلَةُ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنَّهُمْ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْله فَهُوَ [الزخرف: 36] وَالرَّابِطُ وَاوُ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَحْسَبُ الْمَصْدُودُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ بِهِمْ إِلَى السَّبِيلِ.
وَالِاهْتِدَاءُ: الْعِلْمُ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى الْمَقْصُود.
[38]
حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ، وَهِيَ تُفِيدُ التَّسَبُّبَ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ مَجَازِيَّةٌ. فَاسْتِعْمَالُ حَتَّى فِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ. وَلَيْسَتْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى دَوَامِ الصَّدِّ عَنِ السَّبِيلِ وَحُسْبَانِ الْآخَرِينَ الِاهْتِدَاءَ إِلَى فَنَاءِ الْقَرِينَيْنِ، إِذْ قَدْ يُؤْمِنُ الْكَافِرُ فَيَنْقَطِعَ الصَّدُّ وَالْحُسْبَانُ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَوَهُّمِ مَنْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْغَايَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تُفَارَقُ حَتَّى فِي جَمِيعِ اسْتِعْمَالَاتِهَا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَر جاآنا بِأَلِفِ ضَمِيرِ الْمُثَنَّى عَائِدًا عَلَى مَنْ يَعْشُ عَن ذكر الرحمان وَقَرِينِهِ، أَيْ شَيْطَانِهِ، وَأُفْرِدَ ضَمِيرُ قالَ لِرُجُوعِهِ إِلَى مَنْ يَعْشُ عَن ذكر الرحمان خَاصَّةً، أَيْ قَالَ الْكَافِرُ مُتَنَدِّمًا عَلَى مَا فَرَّطَ مِنِ اتِّبَاعِهِ إِيَّاهُ وَائْتِمَارِهِ بِأَمْرِهِ.