فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ حَتَّى نَسُوا احْتِيَاجَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11] .

وَقَدْ جَاءَ فِي حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ الْحَاضِرِينَ وَصْفُهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ بِآثَارِ آبَائِهِمْ، وَجَاءَ فِي حِكَايَةِ أَقْوَالِ السَّابِقَيْنِ وَصْفُهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّهُمْ بِآبَائِهِمْ مُقْتَدُونَ، لِأَنَّ أَقْوَالَ السَّابِقَيْنِ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجْمَعُ مُخْتَلِفَهَا أَنَّهَا اقْتِدَاءٌ بِآبَائِهِمْ، فَحِكَايَةُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ قَبِيلِ حِكَايَةِ الْقَوْلِ بِالْمَعْنَى، وَحِكَايَةُ الْقَوْلِ بِالْمَعْنَى طَرِيقَةٌ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ كَثُرَ وُرُودُهَا فِي الْقُرْآنِ وَكَلَام الْعَرَب.

[24]

[سُورَة الزخرف (43) : آيَة 24]

قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)

قل أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ قُلْ بِصِيغَةِ فِعْلِ الْأَمْرِ لِمُفْرَدٍ فَيَكُونُ أمرا للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَهُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 22] .

وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ قالَ بِصِيغَةِ فِعْلِ الْمُضِيِّ الْمُسْنَدِ إِلَى الْمُفْرَدِ الْغَائِبِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى نَذِيرِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف: 23] . فَحَصَلَ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ أَنَّ جَمِيعَ الرُّسُلِ أَجَابُوا أَقْوَامَهُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَعَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ جَاءَ فِعْلُ قُلْ أَوْ قالَ مَفْصُولًا غَيْرَ مَعْطُوفٍ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي مَجَالِ الْمُحَاوَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [30] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ جِئْتُكُمْ بِضَمِيرِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ جِئْنَاكُمْ بِنُونِ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ وَأَبُو جَعْفَرٍ مِنَ الَّذِينَ قَرَأُوا قُلْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ جِئْنَاكُمْ عَائِدًا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَاطَبِ بِفِعْلِ قل لتعظيمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَانِبِ رَبِّهِ تَعَالَى الَّذِي خَاطَبَهُ بَقَوْلِهِ: قُلْ.

وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَوْ عَاطِفَةٌ الْكَلَامَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى كَلَامِهِمْ، وَهَذَا الْعَطْفُ مِمَّا

يُسَمَّى عَطْفَ التَّلْقِينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [الْبَقَرَة: 124] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015