الْأَكْمَلُونَ فِي الْخُسْرَانِ وَتُسَمَّى (أَلْ) هَذِهِ دَالَّةً عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْرِيفِ الْجُزْءَيْنِ الْمُفِيدِ لِلْقَصْرِ الِادِّعَائِيِّ حَيْثُ نَزَّلَ خُسْرَانَ غَيْرِهِمْ مَنْزِلَةَ عَدَمِ الْخُسْرَانِ. فَالْمَعْنَى:

لَا خُسْرَانَ يُشْبِهُ خُسْرَانَهُمْ، فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْخاسِرِينَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ كَمَا تُوُهِّمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ

فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [15] .

وَالْخُسْرَانُ: تَلَفُ مَالِ التَّاجِرِ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِانْتِفَاءِ الِانْتِفَاعِ بِمَا كَانَ صَاحِبُهُ يُعِدُّهُ لِلنَّفْعِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُلُونَ نَعِيمَ أَنْفُسِهِمْ وَالْأُنْسَ بِأَهْلِيهِمْ حَيْثُمَا اجْتَمَعُوا، فَكُشِفَ لَهُمْ فِي هَذَا الْجَمْعِ عَنِ انْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنْ لَا يَحْيَوْا بَعْدَ الْمَوْتِ فَحَسِبُوا أَنَّهُمْ لَا يَلْقَوْنَ بَعْدَهُ أَلَمًا وَلَا تُوحِشُهُمْ فُرْقَةُ أَهْلِيهِمْ فَكُشِفَ لَهُمْ مَا خَيَّبَ ظَنَّهُمْ فَكَانُوا كَالتَّاجِرِ الَّذِي أَمَّلَ الرِّبْحَ فَأَصَابَهُ الْخُسْرَانُ. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ خَسِرُوا لَا بِفعل قالَ.

وَجُمْلَةُ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ تَذْيِيلٌ لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ:

وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ [الشورى: 44] الْآيَاتِ. لِأَنَّ حَالَةَ كَوْنِهِمْ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ أَعَمُّ مِنْ حَالَةِ تَلَهُّفِهِمْ عَلَى أَنْ يُرَدُّوا إِلَى الدُّنْيَا، وَذُلِّهِمْ وَسَمَاعِهِمُ الذَّمَّ.

وَإِعَادَةُ لَفْظِ الظَّالِمِينَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ اقْتَضَاهُ أَنَّ شَأْنَ التَّذْيِيلِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلَّ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ كَالْمَثَلِ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ لَا قِبَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَحْكُمُوا هَذَا الْحُكْمَ، عَلَى أَنَّ أُسْلُوبَ افْتِتَاحِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَلَامُ مَنْ بِيَدِهِ

الْحُكْمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ، فَهُوَ كَلَامٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ، أَيْ وَهُمْ مَعَ النَّدَمِ وَذَلِكَ الذُّلِّ وَالْخِزْيِ بِسَمَاعِ مَا يَكْرَهُونَ فِي عَذَابٍ مُسْتَمِرٍّ. وَافْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ فِي التَّذْيِيلَاتِ لِأَهَمِّيَّتِهَا.

وَالْمُقِيمُ: الَّذِي لَا يَرْتَحِلُ. وَوَصَفَ بِهِ الْعَذَابَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعَارَةِ، شَبَّهَ الْمُسْتَمِرِّ الدَّائِمِ بِالَّذِي اتَّخَذَ دَارَ إِقَامَةٍ لَا يَبْرَحُهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015