[سُورَة الشورى (42) : آيَة 42]

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (42)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ فَإِنَّهُ لِمَا جَرَى الْكَلَامُ السَّابِقُ كُلُّهُ عَلَى الْإِذْنِ لِلَّذِينِ بُغِيَ عَلَيْهِمْ أَنْ

يَنْتَصِرُوا مِمَّنْ بَغَوْا عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَقَّبَ بِأَنَّ أُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ كَانَ ذَلِكَ مَثَارَ سُؤَالِ سَائِلٍ عَنِ الْجَانِبِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ السَّبِيلُ الْمَنْفِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ.

وَالْقَصْرُ الْمُفَادُ بِ إِنَّمَا تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: 41] لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي لِإِفَادَةِ مَعْنَى الْقَصْرِ أَنْ يُقَابَلَ نَفْيُ السَّبِيلِ عَنِ الَّذِينَ انْتَصَرُوا بَعْدَ ظُلْمِهِمْ بِإِثْبَاتِ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَى الظَّالِمِينَ، لِأَنَّ إِثْبَاتَ الشَّيْءِ لِأَحَدٍ وَنَفْيَهُ عَمَّنْ سِوَاهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْقَصْرِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي إِفَادَةِ الْقَصْرِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ أَوِ الْإِطْنَابِ كَقَوْلِ السَّمَوْأَلِ أَوْ غَيْرِهِ:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ

وَأَمَّا طُرُقُ الْقَصْرِ الْمَعْرُوفَةُ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي فَهِيَ مِنَ الْإِيجَازِ، فَلَمَّا أُورِدَتْ أَدَاةُ الْقَصْرِ هُنَا حَصَلَ نَفْيُ السَّبِيلِ عَنْ غَيْرِهِمْ مَرَّةً أُخْرَى بِمُفَادِ الْقَصْرِ فَتَأَكَّدَ حُصُولُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَصَلَ بِالنَّفْيِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [93] .

وَالْمُرَادُ بِ السَّبِيلُ عَيْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى: 41] بِقَرِينَةِ أَنَّهُ أُعِيدَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ مُنَكَّرًا فَإِنَّ إِعَادَةَ اللَّفْظِ النَّكِرَةِ مُعَرَّفًا بِلَامِ التَّعْرِيفِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا. وَهَذَا السَّبِيلُ الْجَزَاءُ وَالتَّبِعَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَشَمِلَ عُمُومُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ، وَعُمُومُ النَّاسَ كُلَّ ظَالِمٍ، وَبِمِقْدَارِ ظُلْمِهِ يَكُونُ جَزَاؤُهُ. وَيَدْخُلُ ابْتِدَاءً فِيهِ الظَّالِمُونَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ، وَالنَّاسُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015