وَمُتَعَلِّقُ فِعْلِ أَعْرَضَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَعْرَضَ عَنْ دُعَائِنَا.

وَالنَّأْيُ: الْبُعْدُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِعَدَمِ التَّفَكُّرِ فِي الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ، فَشَبَّهَ عَدَمَ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ بِالْبُعْدِ. وَالْجَانِبُ لِلْإِنْسَانِ: مُنْتَهَى جِسْمِهِ مِنْ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَتَا قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَظَهْرِهِ، وَيُسَمَّى الشِّقَّ، وَالْعِطْفَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ. وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. وَالْمَعْنَى: أَبْعَدَ جَانِبَهُ، كِنَايَةً عَنْ إِبْعَادِ نَفْسِهِ، أَيْ وَلَّى مُعْرِضًا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ بِوَجْهِهِ إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي ابْتَعَدَ هُوَ عَنْهُ.

وَمَعْنَى مَسَّهُ الشَّرُّ أَصَابَهُ شَرٌّ بِسَبَبٍ عَادِيٍّ. وَعَدَلَ عَنْ إِسْنَادِ إِصَابَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعْلِيمًا لِلْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشُّعَرَاء: 78] إِلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشُّعَرَاء: 80] فَلَمْ يَقُلْ: وَإِذَا أَمْرَضَنِي، وَفِي ذَلِكَ سِرٌّ وَهُوَ أَنَّ النِّعَمَ وَالْخَيْرَ مُسَخَّرَانِ لِلْإِنْسَانِ فِي أَصْلِ وَضْعِ خِلْقَتِهِ فَهُمَا الْغَالِبَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مَظَاهِرِ نَامُوسِ بَقَاءِ النَّوْعِ. وَأَمَّا الشُّرُورُ وَالْأَضْرَارُ فَإِنَّ مُعْظَمَهَا يَنْجَرُّ إِلَى الْإِنْسَانِ بِسُوءِ تَصَرُّفِهِ وَبِتَعَرُّضِهِ إِلَى مَا حَذَّرَتْهُ مِنْهُ الشَّرَائِعُ وَالْحُكَمَاءُ الْمُلْهَمُونَ فَقَلَّمَا يَقَعُ فِيهِمَا الْإِنْسَان إِلَّا بِعِلْمِهِ وَجُرْأَتِهِ.

وَالدُّعَاءُ: الدُّعَاءُ لِلَّهِ بِكَشْفِ الشَّرِّ عَنْهُ. وَوَصْفُهُ بِالْعَرِيضِ اسْتِعَارَةٌ لِأَنَّ الْعَرْضَ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- ضِدُّ الطُّولِ، وَالشَّيْءُ الْعَرِيضُ هُوَ الْمُتَّسِعُ مِسَاحَةَ الْعَرْضِ، فَشَبَّهَ الدُّعَاءَ الْمُتَكَرِّرَ الْمُلِحَّ فِيهِ بِالثَّوْبِ أَوِ الْمَكَانِ الْعَرِيضِ. وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ: فداع، إِلَى فَذُو دُعاءٍ لِمَا تُشْعِرُ بِهِ كَلِمَةُ ذُو مِنْ مُلَازَمَةِ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَمَلُّكِهِ مِنْهُ.

وَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ شِيَمِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهُ وَالْإِقْلَالِ عَلَى تَفَاوُتِ مُلَاحَظَةِ الْحَقَائِقِ الْإِلَهِيَّةِ. وَتَوَجُّهُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ هُوَ أَقْوَالٌ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ تَوَارَثُوهَا مِنْ عَادَاتٍ سَالِفَةٍ مِنْ أَزْمَانِ تَدَيُّنِهِمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ وَتَتَأَصَّلَ فِيهِمْ فَإِذَا دَعَوُا اللَّهَ غَفَلُوا عَنْ مُنَافَاةِ أَقْوَالِهِمْ لعقائد شركهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015