التِّرْمِذِيِّ قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ»

. وَالنَّزْغُ: النَّخْسُ، وَحَقِيقَتُهُ: مَسٌّ شَدِيدٌ لِلْجِلْدِ بِطَرَفِ عُودٍ أَوْ إِصْبَعٍ، فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِاتِّصَالِ الْقُوَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِخَوَاطِرِ الْإِنْسَانِ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَصْرِفُهُ عَنِ الْخَيْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [200] وَإِسْنَادُ يَنْزَغَنَّكَ إِلَى نَزْغٌ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ بَابِ: جِدُّ جِدِّهِ، ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّزْغِ هُنَا: النَّازِغُ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، ومِنْ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ يَنْزَغَنَّكَ النَّازِغُ الَّذِي هُوَ الشَّيْطَانُ. وَالْمُبَالَغَةُ حَاصِلَةٌ

عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ جِهَتِهَا.

وَجِيءَ فِي هَذَا الشَّرْطِ بِ (إِنَّ) الَّتِي الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الْجَزْمِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ تَرْفِيعًا لقدر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ نَزْغَ الشَّيْطَانِ لَهُ إِنَّمَا يُفْرَضُ كَمَا يُفْرَضُ الْمُحَالُ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الْأَعْرَاف:

201] فَجَاءَ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ بِحِرَفِ (إِذَا) الَّتِي الْأَصْلُ فِيهَا الْجَزْمُ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ أَوْ بِغَلَبَة وُقُوعه. و (مَا) زَائِدَةٌ بَعْدَ حَرْفِ الشَّرْطِ لِتَوْكِيدِ الرَّبْطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَلَيْسَتْ لِتَحْقِيقِ حُصُولِ الشَّرْط فَإِنَّهَا تزاد كَثِيرًا بَعْدَ (إِنْ) دُونَ أَنْ تَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْجَزْمِ بِوُقُوعِ فِعْلِ الشَّرْطِ.

وَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لِتَقْوِيَةِ الْحُكْمِ وَهُوَ هَنَا حُكْمٌ كِنَائِيٌّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَازِمُ وَصْفِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ وَهُوَ مُؤَاخَذَةُ مَنْ تَصْدُرُ مِنْهُمْ أَقْوَالٌ وَأَعْمَالٌ فِي أَذَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكَيْدِ لَهُ مِمَّنْ أُمِرَ بِأَنْ يَدْفَعَ سَيِّئَاتِهِمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ سَوَّلَ لَكَ الشَّيْطَانُ أَنْ لَا تُعَامِلَ أَعْدَاءَكَ بِالْحَسَنَةِ وَزَيَّنَ لَكَ الِانْتِقَامَ وَقَالَ لَكَ: كَيْفَ تُحْسِنُ إِلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَفِي الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ قَطْعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015