فَالَّذِينَ (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) هُمُ (الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) ، وَهُمُ الَّذِينَ (حَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، وَالَّذِينَ رَأَوْا بَأْسَ اللَّهِ، فَمَا بِنَا إِلَّا أَنْ نُبَيِّنَ مَعْنَى فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

فَالْفَرَحُ هُنَا مُكَنَّى بِهِ عَنْ آثَارِهِ وَهِيَ الِازْدِهَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ [الْقَصَص: 76] أَيْ بِمَا أَنْتَ فِيهِ مُكَنًّى بِهِ هُنَا عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ جَادَلُوا الرُّسُلَ وَكَابَرُوا الْأَدِلَّةَ وَأَعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ. وَمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ هُوَ مُعْتَقَدَاتُهُمُ الْمَوْرُوثَةُ عَنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْ أَسْلَافِهِمْ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالُوا لِرُسُلِهِمْ: نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْكُمْ لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ اهـ. وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ تَهَكُّمٌ وَجَرْيٌ عَلَى حَسَبِ مُعْتَقَدِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ:

فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِجَهْلِهِمْ يَعْنِي فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الْأَنْعَام: 148] .

وَحَاقَ بِهِمْ: أَحَاطَ، يُقَالُ: حَاقَ يَحِيقُ حَيْقًا، إِذَا أَحَاطَ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلشِّدَّةِ الَّتِي لَا تَنْفِيسَ بِهَا لِأَنَّ الْمُحِيطَ بِشَيْءٍ لَا يَدْعُ لَهُ مَفْرَجًا.

وَمَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ وَالْعَذَابُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ رُسُلَهُمْ أوعدوهم بِالْعَذَابِ فاستهزؤوا بِالْعَذَابِ، أَيْ بِوُقُوعِهِ وَفِي ذِكْرِ فِعْلِ الْكَوْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِوَعِيدِ الرُّسُلِ كَانَ شِنْشَنَةً لَهُمْ، وَفِي الْإِتْيَان ب يَسْتَهْزِؤُنَ مُضَارِعًا إِفَادَةٌ لِتَكَرُّرِ اسْتِهْزَائِهِمْ.

[84- 85]

[سُورَة غَافِر (40) : الْآيَات 84 الى 85]

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا

مَوْقِعُ جُمْلَةِ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ [غَافِر:

83] كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ [غَافِر: 82] لِأَنَّ إِفَادَةَ (لَمَّا) مَعْنَى التَّوْقِيتِ يُثِيرُ مَعْنَى تَوْقِيتِ انْتِهَاءِ مَا قَبْلَهَا، أَيْ دَامَ دُعَاءُ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ وَدَامَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015