وَقَوْلُهُ: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَهُمْ مَا يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَالْتَزَمَ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُمْ وَعْدًا مُطْلَقًا لِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ أَسْوَأَ مَا عَمِلُوهُ، أَيْ مَا وَعَدَهُمْ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ إِلَّا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِ مَا عَمِلُوا.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ إِعْلَامُهُمْ بِهِ لِيَطْمَئِنُّوا مِنْ عَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِمْ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَأَحْوَالِهِ.

وأَسْوَأَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى ظَاهِرِ اسْمِ التَّفْضِيلِ مِنِ اقْتِضَاءِ مُفَضَّلٍ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ بِأَسْوَأِ عَمَلِهِمْ هُوَ أَعْظَمُهُ سُوءًا وَهُوَ الشِّرْكُ،

سُئِلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟

فَقَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»

. وَإِضَافَتُهُ إِلَى الَّذِي عَمِلُوا إِضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَمَعْنَى كَوْنِ الشِّرْكِ مِمَّا عَمِلُوا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشِّرْكَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَسْتَتْبِعُهُ مِنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وَإِذَا كَفَّرَ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا كَفَّرَ عَنْهُمْ مَا دونه من سيّىء أَعْمَالِهِمْ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى، فَأَفَادَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ جَمِيعَ مَا عَمِلُوا مِنْ سَيِّئَاتٍ، فَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا سَبَقَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَالْآيَةُ تَعُمُّ كُلَّ مَنْ صَدَّقَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا عَسَى أَنْ يَعْمَلَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنَ الْكَبَائِرِ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ هَذَا التَّكْفِيرُ خُصُوصِيَّةً لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فَضْلَ الصُّحْبَةِ عَظِيمٌ.

رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تسبّوا أَصْحَابِي فو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَأَ مَسْلُوبَ الْمُفَاضَلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَازٌ فِي السُّوءِ الْعَظِيمِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يُوسُف: 33] أَيِ الْعَمَلُ الشَّدِيدُ السُّوءِ، وَهُوَ الْكَبَائِرُ، وَتَكُونُ إِضَافَتُهُ بَيَانِيَّةً. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رُتْبَةَ صُحْبَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَةٌ.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015