وَضَمِيرُ بِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى (الصِّدْقِ) وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ، وَالتَّصْدِيقُ بِكِلَيْهِمَا مُتَلَازِمٌ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمُصَدِّقُونَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ كَانَ مُرَادًا بِهِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جَمَاعَةٌ فَلَا تَقَعُ صِفَتُهُمْ صِلَةً

لِ الَّذِي لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلْمُفْرَدِ، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ بِفَرِيقٍ، وَقَرِينَتُهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ عَائِدُ الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: وَصَدَّقَ رَعْيًا لِلَفْظِ الَّذِي وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْإِيجَازِ.

وَرَوَى الطَّبَرَيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَمَحْمَلُهُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَجُمْلَةُ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْمَوْصُولِ. وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلْعِنَايَةِ بِتَمْيِيزِهِمْ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ. وَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ هُمُ الْمُتَّقُونَ يُفِيدُ قَصْرَ جِنْسِ الْمُتَّقِينَ عَلَى الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا متقي يَوْمَئِذٍ غَيْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَكُلُّهُمْ مُتَّقُونَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَشْرَقَتْ عَلَى نُفُوسِهِمْ أَنْوَارُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطَهَّرَتْ ضَمَائِرُهُمْ مِنْ كُلِّ سَيِّئَةٍ فَكَانُوا مَحْفُوظِينَ مِنَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى قَالَ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمرَان: 110] . وَالْمَعْنَى: أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ تَحَقَّقَ فِيهِمْ مَا أُرِيدَ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: 28] .

وَجُمْلَةُ لَهُمْ مَا يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهُمْ لَمَّا قُصِرَ عَلَيْهِمْ جِنْسُ الْمُتَّقِينَ كَانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِمَزِيَّةٍ عَظِيمَةٍ فَكَانَ يَقْتَضِي أَنْ يَسْأَلَ السَّامِعُ عَنْ جَزَاءِ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ لَهُم مَا يشاؤون عِنْدَ الله. وَمَا يَشاؤُنَ هُوَ مَا يُرِيدُونَ وَيَتَمَنَّوْنَ، أَيْ يُعْطِيهُمُ اللَّهُ مَا يَطْلُبُونَ فِي الْجَنَّةِ.

وَمَعْنَى عِنْدَ رَبِّهِمْ أَنَّ اللَّهَ ادَّخَرَ لَهُمْ مَا يَبْتَغُونَهُ، وَهَذَا مِنْ صِيَغِ الِالْتِزَامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015