وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنَى اتِّخَاذِ الْوَلَدِ اتِّخَاذُ التَّشْرِيفِ وَالتَّبَنِّي وَعَلَى هَذَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ:
لَاصْطَفى وَأَمَّا الِاتِّخَاذُ الْمَعْهُودُ فِي الشَّاهِدِ (يَعْنِي اتِّخَاذَ النَّسْلِ) فَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يُتَوَهَّمَ فِي جِهَةِ اللَّهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَاصْطَفى. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَنْ يَتَّخِذَ الِاصْطِفَاءُ وَالتَّبَنِّي قَوْلُهُ: مِمَّا يَخْلُقُ أَي من محداثته اهـ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْفَخْرُ.
وَبَنَى عَلَيْهِ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» فَقَالَ عقب تعقيب كَلَامِ «الْكَشَّافِ» «وَالْأَوْلَى مَا قِيلَ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا كَمَا زَعَمْتُمْ لَاخْتَارَ الْأَفْضَلَ (أَيِ الذُّكُورَ) لَا الْأَنْقَصَ وَهُنَّ الْإِنَاث» .
وَقَالَ التفتازانيّ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» : هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ أَنَّ صَاحِبَ «الْكَشَّافِ» لَمْ يَسْلُكْهُ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذكره التفتازانيّ هُنَاكَ. وَالَّذِي سَلَكَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبُ وَأَوْضَحُ مِنْ مَسْلَكِ «الْكَشَّافِ» فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ لَكِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَصِلُ الْآيَةَ بِالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْطَعَ بَيْنَهَا الْأَوَاصِرُ، وَكَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخِرِ.
وَجُمْلَةُ سُبْحانَهُ تَنْزِيهٌ لَهُ عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَهُ بِالدَّلِيلِ الِامْتِنَاعِيِّ عَوْدًا إِلَى خِطَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ الَّذِي فَارَقَهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2] .
وَجُمْلَةُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ دَلِيلٌ لِلتَّنْزِيهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ سُبْحانَهُ. فَجُمْلَةُ هُوَ اللَّهُ تَمْهِيدٌ لِلْوَصْفَيْنِ، وَذُكِرَ اسْمُهُ الْعَلَمُ لِإِحْضَارِهِ فِي الْأَذْهَانِ بِالِاسْمِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: هُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ كَمَا قَالَ بَعْدَ: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر: 5] . وَإِثْبَاتُ
الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ يُبْطِلُ الشَّرِيكُ فِي الْإِلَهِيَّةِ عَلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِ، وَإِثْبَاتُ الْقَهَّارُ يُبْطِلُ مَا زَعَمُوهُ مِنْ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفًى وَتَشْفَعُ لَهُمْ.
وَالْقَهْرُ: الْغَلَبَةُ، أَي هُوَ الشَّديد الْغَلَبَةِ لِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ إِرَادَتِهِ