النُّفُوسِ فَصَارَتْ نُفُوسُهُمْ نَقِيَّةً مِنَ الْعُيُوبِ الْعَارِضَةِ لِلْبَشَرِ، وَهَذَا الْإِخْلَاصُ هُوَ مَعْنَى الْعِصْمَةِ اللَّازِمَةِ لِلِنُّبُوءَةِ.

وَالْعِصْمَةُ: قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي نَفْسِ النَّبِيءِ تَصْرِفُهُ عَنْ فِعْلِ مَا هُوَ فِي دِينِهِ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَعَمَّا هُوَ مُوجِبٌ لِلِنُّفْرَةِ وَالِاسْتِصْغَارِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ مِنْ أُمَّةِ عَصْرِهِ. وَأَرْكَانُ الْعِصْمَةِ أَرْبَعَةٌ:

الْأَوَّلُ: خَاصِّيَّةٌ لِلِنَّفْسِ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى تَقْتَضِي مَلَكَةً مَانِعَةً مِنَ الْعِصْيَانِ.

الثَّانِي: حُصُولُ الْعِلْمِ بِمَثَالِبِ الْمَعَاصِي وَمَنَاقِبِ الطَّاعَات.

الثَّالِث: تَأَكد ذَلِكَ الْعِلْمِ بِتَتَابُعِ الْوَحْيِ وَالْبَيَانِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.

الرَّابِعُ: الْعِتَابُ مِنَ اللَّهِ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى وَعَلَى النِّسْيَانِ.

وَإِسْنَادُ الْإِخْلَاصِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ إِلَّا بِجَعْلٍ خَاصٍّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنَايَةٍ لَدُنِّيَّةٍ بِحَيْثُ تُنْزَعُ مِنَ النَّفْسِ غَلَبَةُ الْهَوَى فِي كُلِّ حَالٍ وَتُصْرَفُ النَّفْسُ إِلَى الْخَيْرِ الْمَحْضِ فَلَا تَبْقَى فِي النَّفْسِ إِلَّا نَزَعَاتٌ خَفِيفَةٌ تُقْلِعُ النَّفْسُ عَنْهَا سَرِيعًا بِمُجَرَّدِ خُطُورِهَا،

قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً»

. وَالْبَاءُ فِي بِخالِصَةٍ لِلِسَّبَبِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ عِصْمَتِهِمْ. وَعُبِّرَ عَنْ هَذَا السَّبَبِ تَعْبِيرًا مُجْمَلًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ دَقِيقٌ لَا يُتَصَوَّرُ بِالْكُنْهِ وَلَكِنْ يُعْرَفُ بِالْوَجْهِ، وَلِذَلِكَ اسْتَحْضَرَ هَذَا السَّبَبَ بِوَصْفٍ مُشْتَقٍّ مِنْ فِعْلِ أَخْلَصْناهُمْ عَلَى نَحْوِ

قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ اقْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ «إِنِّي تَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حَاضِرَةٌ»

أَيْ حَاضِرَةٌ لَا تُوصَفُ، ثُمَّ بُيِّنَتْ هَذِهِ الْخَالِصَةُ بِأَقْصَى مَا تُعَبِّرُ عَنْهُ اللُّغَةُ وَهِيَ أَنَّهَا ذِكْرَى الدَّارِ.

وَالذِّكْرَى: اسْمُ مَصْدَرٍ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ مَعْنَى الْمَصْدَرِ مِثْلُ الرُّجْعَى وَالْبُقْيَا لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمَعْنَى. وَالدَّارُ الْمَعْهُودَةُ لِأَمْثَالِهِمْ هِيَ الدَّارُ الْآخِرَةِ، أَيْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015