والْجِنَّةِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْجِنِّ، فَتَأْنِيثُ اللَّفْظِ بِتَأْوِيلِ الْجَمَاعَةِ مِثْلُ تَأْنِيثِ رَجْلَةَ، الطَّائِفَةُ مِنَ الرِّجَالِ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، أَيْ مِنْ فَرِيقِ نِسَاءٍ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَشْرَافِ الْجِنِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [184] .

وَالنَّسَبُ: الْقَرَابَةُ الْعَمُودِيَّةُ أَوِ الْأُفُقِيَّةُ- أَيْ مِنَ الْأَطْرَافِ- وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ ذَوِي نَسَبٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ نسب النبوءة لِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى نَسَبًا لِلْجِنَّةِ وَلِلْجِنَّةِ نَسَبًا لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

حَالًا مِنْ نَسَباً أَيْ كَائِنًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ، أَيْ أَنَّ نَسَبَهُ تَعَالَى، أَيْ نَسْله سُبْحَانَهُ ناشىء مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنِ الْجِنِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ جَعَلُوا، أَيْ جَعَلُوا فِي الِاقْتِرَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنِّ نَسَبًا لَهُ، أَيْ جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ نَسَبًا يَتَوَلَّدُ لَهُ، فَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً هُوَ كَقَوْلِكَ: بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ بَنُونَ، أَيْ لَهُ مِنْهَا وَلَهَا مِنْهُ بَنُونَ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مُرَادُ مَنْ فَسَّرَهُ بِأَنْ جَعَلُوا الْجِنَّ أَصْهَارًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَفْسِيرُهُ النَّسَبَ بِالْمُصَاهَرَةِ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّسَبَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ، لِأَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي دَوَاوِينِ اللُّغَةِ فَلَا تَغْتَرِرْ بِهِ. وَلِعَدَمِ الْغَوْصِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنَّةِ الْمَلَائِكَةُ، أَيْ جَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ نَسَبَ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً إِعَادَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ [الصافات: 151، 152] وَمِنْ قَوْلِهِ: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ [الصافات: 150] .

وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجِنَّةِ أَصْلُ الْجِنَّةِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ:

أَنَّهُمْ جَعَلُوا اللَّهَ نَسِيبًا لِلشَّيْطَانِ نَسَبَ الْأُخُوَّةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ مِنَ الْمَجُوسِ بِوُجُودِ إِلَهٍ لِلْخَيْرِ هُوَ اللَّهُ، وَإِلَهٍ لِلشَّرِّ هُوَ الشَّيْطَانُ وَهُمْ مِنْ مِلَلِ مَجُوسِ فَارِسَ وَسَمَّوْا إِلَهَ الْخَيْرِ (يَزْدَانَ) وَإِلَهَ الشَّرِّ (أَهْرُمُنْ) وَقَالُوا: كَانَ إِلَهُ الْخَيْرِ وَحْدَهُ فَخَطَرَ لَهُ خَاطِرٌ فِي نَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ فَنَشَأَ مِنْهُ إِلَهُ الشَّرِّ هُوَ (أَهْرُمُنْ) وَهُوَ مَا نَعَاهُ الْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015