السَّامِعِينَ قَبْلَ سَمَاعِ مُتَعَلِّقِهِ لِيَقَعَ كِلَاهُمَا أَمْكَنَ وَقَعَ بِالتَّقْدِيمِ وَبِالتَّشْوِيقِ، وَقَضَى بِذَلِكَ أَيْضًا رَعْيُ الْفَاصِلَةِ.

وَعُدِلَ عَنْ أَنْ يُقَال: فهم مالكوها، إِلَى فَهُمْ لَها مالِكُونَ لِيَتَأَتَّى التَّنْكِيرُ فَيُفِيدَ بِتَعْظِيمِ الْمَالِكِينَ لِلْأَنْعَامِ الْكِنَايَةَ عَنْ تَعْظِيمِ الْمِلْكِ، أَيْ بِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ

تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَلَّلْناها لَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ.

وَأَنَّ إِضَافَةَ الْوَصْفِ الْمُشْبِهِ الْفِعْلَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُكْسِبُ الْمُضَافَ تَعْرِيفًا لَكِنَّهَا لَا تَنْسَلِخُ مِنْهَا خَصَائِصُ التَّنْكِيرِ مِثْلَ التَّنْوِينِ. وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِإِفَادَةِ ثَبَاتِ هَذَا الْمِلْكِ وَدَوَامِهِ.

وَالتَّذْلِيلُ: جَعْلُ الشَّيْءِ ذَلِيلًا، وَالذَّلِيلُ ضِدُّ الْعَزِيزِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَكْرَهُهُ. وَمَعْنَى تَذْلِيلِ الْأَنْعَامِ خَلْقُ مَهَانَتِهَا لِلْإِنْسَانِ فِي جِبِلَّتِهَا بِحَيْثُ لَا تُقْدِمُ عَلَى مُدَافَعَةِ مَا يُرِيدُ مِنْهَا فَإِنَّهَا ذَاتُ قُوَاتٍ يَدْفَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا عَنْ نَفْسِهِ بِهَا فَإِذَا زَجَرَهَا الْإِنْسَانُ أَوْ أَمَرَهَا ذَلَّتْ لَهُ وَطَاعَتْ مَعَ كَرَاهِيَتِهَا مَا يُرِيدُهُ مِنْهَا، مِنْ سَيْرٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ حَلْبٍ أَوْ أَخْذِ نَسْلٍ أَوْ ذَبْحٍ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ.

وَالرَّكُوبُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: الْمَرْكُوبُ مِثْلُ الْحَلُوبُ وَهُوَ فَعَوْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَلِذَلِكَ يُطَابِقُ مَوْصُوفَهُ يُقَالُ: بَعِيرٌ رَكُوبٌ وَنَاقَةٌ حَلُوبَةٌ.

وَمن تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ وَبَعْضُهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِثْلُ الْحَرْثِ وَالْقِتَالِ كَمَا قَالَ: وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ وَالْمَشَارِبُ: جَمْعُ مَشْرَبٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى: الشُّرْبِ، أُرِيدَ بِهِ الْمَفْعُولُ، أَيْ مَشْرُوبَاتٌ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورَيْنِ بِ (مِنْ) عَلَى مَا حَقِّهِمَا أَنْ يَتَأَخَّرَا عَنْهُمَا لِلْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: فَهُمْ لَها مالِكُونَ.

وَفرع على هَذَا التَّذْكِيرِ وَالِامْتِنَانِ قَوْلُهُ: أَفَلا يَشْكُرُونَ استفهاما تعجيبيا لِتَرْكِهِمْ تَكْرِيرَ الشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الْعِدَّةِ فَلِذَلِكَ جِيءَ بِالْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّجْدِيدِ وَالِاسْتِمْرَارِ لِأَنَّ تِلْكَ النِّعَمَ مُتَتَالِيَةٌ مُتَعَاقِبَةٌ فِي كُلِّ حِينٍ، وَإِذْ قَدْ عُجِبَ مِنْ عَدَمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015