تَعَالَى:

وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] مِنْ عَيْبِ الْخَطِّ. فَلَمَّا لَمْ تَكُنِ الْأُمِّيَّةُ مِنْ عَيْبِ الْخَطِّ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ نَفْيُ النَّظْمِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَيْبِ الشِّعْرِ.

وَمِنْ أَجْلِ مَا لِلشِّعْرِ مِنَ الْفَائِدَةِ وَالتَّأْثِيرِ فِي شُيُوعِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ أَن أَمر النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسانا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ بِقَوْلِهِ، وَأَظْهَرَ اسْتِحْسَانَهُ لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ حِينَ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ الْمَشْهُورَةَ: بَانَتْ سُعَادُ.

وَالْقَوْلُ فِي مَا صَدَرَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلَامٍ مَوْزُونٍ مِثْلِ قَوْلِهِ يَوْمَ أحد:

أَنا النَّبِي لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

كَالْقَوْلِ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ شَبِيهِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَاهُ آنِفًا.

وَجُمْلَةُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ نَفْيَ الشِّعْرِ عَنِ الْقُرْآنِ يُثِيرُ سُؤَالَ مُتَطَلِّبٍ يَقُولُ: فَمَا هُوَ هَذَا الَّذِي أُوحِيَ بِهِ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ قَوْلُهُ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ جَوَابًا لِطِلْبَتِهِ.

وَضَمِيرُ هُوَ لِلْقُرْآنِ الْمَفْهُومِ مِنْ عَلَّمْناهُ، أَيْ لَيْسَ الَّذِي عَلِمَهُ الرَّسُولُ إِلَّا ذِكْرًا وَقُرْآنًا أَوْ لِلشَّيْءِ الَّذِي عَلَّمْنَاهُ، أَيْ لِلشَّيْءِ الْمُعَلَّمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ عَلَّمْناهُ، أَوْ عَائِدٌ إِلَى ذِكْرٌ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا ذِكْرٌ الَّذِي هُوَ مُبِينٌ. وَهَذَا مِنْ مَوَاضِعِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا وَرُتْبَةً لِأَنَّ الْبَيَانَ كَالْبَدَلِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [37] .

وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْقَصْرِ الْمُفِيدَةِ قَصْرَ الْوَحْيِ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْكَوْنِ ذِكْرًا وَقُرْآنًا قَصْرَ قَلْبٍ، أَيْ لَيْسَ شِعْرًا كَمَا زَعَمْتُمْ. فَحَصَلَ بِذَلِكَ اسْتِقْصَاءُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَتَأْكِيدُ قَوْلِهِ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ مِنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ شِعْرًا.

وَالذِّكْرُ: مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصْفًا لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ إِنْ هُوَ إِلَّا مُذَكِّرٌ لِلنَّاسِ بِمَا نَسُوهُ أَوْ جَهِلُوهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الذِّكْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [6] .

وَالْقُرْآنُ: مَصْدَرُ قَرَأَ، أُطْلِقَ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيِ الْكَلَامِ الْمَقْرُوءِ، وَتَقَدَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015