الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ مَآلُهُمُ الْجَنَّةُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي تَكَاثَرَتْ. وَقَدْ

رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر:

32] قَالَ: «هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ»

. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَارِضَةِ» : مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ:

إِنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ هُمُ الَّذِينَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [8- 10] : أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ- وأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ- والسَّابِقُونَ. وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمَشْأَمَةِ فِي النَّارِ الْحَامِيَةِ، وَأَصْحَابَ سُورَةِ فَاطِرٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُمْ بَيْنَ فَاتِحَةٍ وَخَاتِمَةٍ فَأَمَّا الْفَاتِحَةُ فَهِيَ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر: 32] فَجَعَلَهُمْ مُصْطَفَيْنَ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها [فاطر: 33] وَلَا يُصْطَفَى إِلَّا مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلَكِنَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ [فاطر: 32] وَهُوَ الْعَاصِي وَالظَّالِمُ الْمُطْلَقُ

هُوَ الْكَافِرُ، وَقِيلَ عَنْهُ: الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ رِفْقًا بِهِ، وَقِيلَ لِلْآخَرِ: السَّابِقِ بِإِذْنِ اللَّهِ إِنْبَاءً أَنَّ ذَلِكَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ لَا مِنْ حَالِ الْعَبْدِ اهـ.

وَفِي الْإِخْبَارِ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ عَنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ إِفَادَةٌ تُقَوِّي الْحُكْمَ وَصَوْغُ الْفِعْلِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ، وَكَذَلِكَ صَوْغُ يُحَلَّوْنَ وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ عَنْ جَنَّاتُ عَدْنٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي سُورَةِ الْحَجِّ فَانْظُرْهُ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَلُؤْلُؤاً بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ أَساوِرَ لِأَنَّهُ لَمَّا جُرَّ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ كَانَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ يُحَلَّوْنَ فَجَازَ فِي الْمَعْطُوفِ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى مُرَاعَاةِ مَحَلِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالْجَرِّ عَلَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ، وهما وَجْهَان.

[34، 35]

[سُورَة فاطر (35) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35)

الْأَظْهَرُ أَنَّ جُمْلَةَ وَقالُوا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضمير يُحَلَّوْنَ [فاطر: 33] لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْوِيلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015