وَحُذِفَ فَاعِلُ التِّلَاوَةِ لِظُهُورِ أَنَّهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ هُوَ تَالِي آيَاتِ اللَّهِ، فَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِمْ: مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستحضروه بطرِيق الْإِشَارَةِ دُونَ الِاسْم إِفَادَة لحضوره مَجْلِسِ التِّلَاوَةِ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ وَقَاحَتِهِمْ فَقَدْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فِي مَجَالِسِهِمْ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ قِرَاءَتِهِ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سُورَةَ فُصِّلَتْ وَقِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْن سَلُولٍ لِلْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي تَشَاجَرَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ.

وَابْتَدَأُوا بِالطَّعْنِ فِي التَّالِي لِأَنَّهُ الْغَرَضُ الَّذِي يَرْمُونَ إِلَيْهِ، وَأَثْبَتُوا لَهُ إِرَادَةَ صَدِّهِمْ عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ قَصْدَ أَنْ يُثِيرَ بَعْضُهُمْ حَمِيَّةَ بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ آبَاءَهُمْ أَهْلَ الرَّأْيِ فِيمَا ارْتَأَوْا وَالتَّسْدِيدِ فِيمَا فَعَلُوا فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا حَقًّا وَلَا يَفْعَلُونَ إِلَّا صَوَابًا وَحِكْمَةً، فَلَا جَرَمَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدُ الصَّدِّ عَنْهَا مُحَاوِلًا الْبَاطِلَ وَكَاذِبًا فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ مُطَابِقٌ الْوَاقِعَ فَإِبْطَالُ مَا هُوَ حَقٌّ فِي زَعْمِهِمْ قَوْلٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَهُوَ الْكَذِبُ.

وَفِعْلُ كانَ فِي قَوْلِهِمْ: عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ عَنَوْا أَنَّ تِلْكَ عِبَادَةٌ قَدِيمَةٌ ثَابِتَةٌ. وَفِي ذَلِكَ إِلْهَابٌ لِقُلُوبِ قَوْمِهِمْ وَإِيغَارٌ لِصُدُورِهِمْ لِيَتَأَلَّبُوا عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزْدَادُوا تَمَسُّكًا بِدِينِهِمْ وَقد قصروا الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى صِفَةِ إِرَادَةِ صَدِّهِمْ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَيْ إِلَّا رَجُلٌ صَادِقٌ فَمَا هُوَ بِرَسُولٍ.

وَأَتْبَعُوا وَصْفَ التَّالِي بِوَصْفِ الْمَتْلُوِّ بِأَنَّهُ كَذِبٌ مُفْتَرًى وَإِعَادَةُ فِعْلِ القَوْل للاهتمام بحكاية قَوْلهم لفظاعته وَكَذَلِكَ إِعَادَة فعل الْقَوْلِ إِعَادَةٌ ثَابِتَةٌ لِلِاهْتِمَامِ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الْغَرِيبَيْنِ تَشْنِيعًا لَهُمَا فِي نَفْسِ السَّامِعِينَ فَجُمْلَةُ وَقالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ، فَالْفِعْلَانِ مُشْتَرِكَانِ فِي الظَّرْفِ.

وَالْإِشَارَةُ الثَّانِيَةُ إِلَى الْقُرْآنِ الَّذِي تَضَمَّنُهُ تُتْلى لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ.

وَالْإِفْكُ: الْكَذِبُ، وَوَصْفُهُ بِالْمُفْتَرَى إِمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى نِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أُرِيدَ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ إِفْكٌ وَزَادُوا فَجَعَلُوهُ مُخْتَرَعًا مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مَسْبُوقًا بِهِ.

فَكَوْنُهُ إِفْكًا يَرْجِعُ إِلَى جَمِيعِ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَكَوْنُهُ مُفْتَرًى يُرْجِعُونَهُ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015