الشَّيْءِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [92] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَخْسِفْ ونُسْقِطْ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَقَرَأَهَا حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِيَاءِ الْغَائِبِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنْ مَقَامِ التَّكَلُّمِ إِلَى مَقَامِ الْغَيْبَةِ، وَمُعَادُ الضَّمِيرَيْنِ مَعْرُوفٌ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ تَعْلِيلٌ لِلتَّعْجِيبِ الْإِنْكَارِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَثِّ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَمَوْقِعُ حَرْفِ التَّوْكِيدِ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيلِ، كَقَوْلِ بِشَّارٍ:
إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ تَذْيِيلًا. وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مِنَ الْكَائِنَاتِ فِيهِمَا.
وَالْآيَةُ: الدَّلِيلُ وَالتَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ، فَالْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ مُسَاوٍ لِلْجَمْعِ، أَيْ لَآيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
وَالْمُنِيبُ: الرَّاجِعُ بِفِكْرِهِ إِلَى الْبَحْثِ عَمَّا فِيهِ كَمَالُهُ النَّفْسَانِيُّ وَحُسْنُ مَصِيرِهِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ يُقَدِّرُ الْمَوَاعِظَ حَقَّ قَدْرِهَا وَيَتَلَقَّاهَا بِالشَّكِّ فِي الْحَالَةِ الَّتِي وُعِظَ مِنْ أَجْلِهَا فَيُعَاوِدُ النَّظَرَ حَتَّى يَهْتَدِيَ وَلَا يَرْفُضَ نُصْحَ النَّاصِحِينَ وإرشاد المرشدين مرتديا بِرِدَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ فَهُوَ لَا يَخْلُو مِنَ النَّظَرِ فِي دَلَائِلِ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَمِنْ أَكْبَرِ الْمُنِيبِينَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَ رسولهم.
[10، 11]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
مُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ إِلَى ذِكْرِ دَاوُدَ خَفِيَّةٌ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَكَرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ عَلَى دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ احْتِجَاجًا عَلَى مَا مَنَحَ مُحَمَّدًا، أَيْ لَا تَسْتَبْعِدُوا هَذَا فَقَدَ تَفَضَّلْنَا عَلَى عَبِيدِنَا قَدِيمًا.