وَهَيْئَاتُ لِبْسِ الْجَلَابِيبِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ تُبَيِّنُهَا الْعَادَاتُ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ.

وَالْإِدْنَاءُ: التَّقْرِيبُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللِّبْسِ وَالْوَضْعِ، أَيْ يَضَعْنَ عَلَيْهِنَّ جَلَابِيبَهُنَّ، قَالَ بِشَّارٌ:

لَيْلَةٌ تَلْبَسُ الْبَيَاضَ مِنَ الشَّهْرِ ... وَأُخْرَى تُدْنِي جَلَابِيبَ سُودًا

فَقَابَلَ بِ (تُدْنِي) (تَلْبَسُ) فَالْإِدْنَاءُ هُنَا اللِّبْسُ.

وَكَانَ لِبْسُ الْجِلْبَابِ مِنْ شِعَارِ الْحَرَائِرِ فَكَانَتِ الْإِمَاءُ لَا يَلْبَسْنَ الْجَلَابِيبَ. وَكَانَتِ الْحَرَائِرُ يَلْبَسْنَ الْجَلَابِيبَ عِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الزِّيَارَاتِ وَنَحْوِهَا فَكُنَّ لَا يَلْبَسْنَهَا فِي اللَّيْلِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَنَاصِعِ، وَمَا كُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَيْهَا إِلَّا لَيْلًا فَأُمِرْنَ بِلَبْسِ الْجَلَابِيبِ فِي كل خُرُوج

لِيُعْرَفَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ فَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِنَّ شَبَابُ الدُّعَّارِ يَحْسَبُهُنَّ إِمَاءً أَوْ يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِنَّ الْمُنَافِقُونَ اسْتِخْفَافًا بِهِنَّ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي تُخْجِلُهُنَّ فَيَتَأَذَّيْنَ مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا يَسْبُبْنَ الَّذِينَ يُؤْذُونَهُنَّ فَيَحْصُلُ أَذًى مِنَ الْجَانِبَيْنِ. فَهَذَا مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ.

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى الْإِدْنَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ يُدْنِينَ، أَيْ ذَلِكَ اللِّبَاسُ أقرب إِلَى أَن يُعْرَفُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرٌ بِشِعَارِ الْحَرَائِرِ فَيَتَجَنَّبُ الرِّجَالُ إِيذَاءَهُنَّ فَيَسْلَمُوا وَتَسْلَمْنَ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ يَمْنَعُ الْإِمَاءَ مِنَ التَّقَنُّعِ كَيْ لَا يَلْتَبِسْنَ بِالْحَرَائِرِ وَيَضْرِبُ مَنْ تَتَقَنَّعُ مِنْهُنَّ بِالدِّرَّةِ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ كُثَيْرٍ:

هُنَّ الْحَرَائِرُ لَا رَبَّاتَ أَخْمِرَةٍ ... سُودُ الْمَحَاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ

وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً صَفْحٌ عَمَّا سَبَقَ مِنْ أَذَى الْحَرَائِرِ قَبْلَ تَنْبِيهِ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْأَدَبِ الْإِسْلَامِيِّ، والتذييل يَقْتَضِي انْتِهَاء الْغَرَض.

[60، 61]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61)

انْتِقَالٌ مِنْ زَجْرِ قَوْمٍ عُرِفُوا بِأَذَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَمِنْ تَوَعُّدِهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015