وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ زَوْجُهُ (سَارَّةٌ) وَزَوْجُ لُوطٍ وَاسْمُهَا (مَلِكَةٌ) . وَلُوطٌ هُوَ ابْن (هاران) أَخِي إِبْرَاهِيمَ، فَلُوطٌ يَوْمَئِذٍ مِنْ أُمَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ [العنكبوت: 24] .
فَضَمِيرُ قالَ عَائِدٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، أَيْ أَعْلَنَ أَنَّهُ مُهَاجِرٌ دِيَارَ قَوْمِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أمره بمفارقة ديار أَهْلِ الْكُفْرِ.
وَهَذِهِ أَوَّلُ هِجْرَةٍ لِأَجْلِ الدِّينِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا هِجْرَةً إِلَى رَبِّهِ. وَالْمُهَاجَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْهَجْرِ: وَهُوَ تَرْكُ شَيْءٍ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ، وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ لِأَنَّ الَّذِي يَهْجُرُ قَوْمَهُ يَكُونُونَ هُمْ قَدْ هَجَرُوهُ أَيْضًا.
وَحَرْفُ إِلى فِي قَوْلِهِ إِلى رَبِّي لِلِانْتِهَاءِ الْمَجَازِيِّ إِذْ جَعَلَ هِجْرَتَهُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُهَاجِرَ إِلَيْهَا كَأَنَّهَا هِجْرَةٌ إِلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ إِلى تَخْيِيلًا لِاسْتِعَارَةٍ مَكْنِيَّةٍ أَوْ جَعَلَ هِجْرَتَهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي لَا يَعْبُدُ أَهْلُهُ اللَّهَ لِطَلَبِ مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ كَأَنَّهُ هِجْرَةٌ إِلَى اللَّهِ، فَتَكُونُ إِلى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَعَارَةً لِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً.
وَرُشِّحَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَهِيَ جُمْلَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِمَضْمُونِ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي، لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَزِيزًا يَعْتَزُّ بِهِ جَارُهُ وَنَزِيلُهُ.
وَإِتْبَاعُ وَصْفِ الْعَزِيزُ بِ الْحَكِيمُ لِإِفَادَةِ أَنَّ عِزَّتَهُ مُحْكَمَةٌ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَهَا الْمَحْمُودَ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ مِثْلَ نَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَنَصْرِ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ فَيَكُونُ زِيَادَةَ تَأْكِيدِ مَعْنَى الْعَزِيزُ.
وَقَدْ مَضَتْ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ وَبِلَادِهِمْ مُفَصَّلَةً فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ