الْمَعْنَى عَلَى هَذَا: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحِكْمَتِهِ، أَيْ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، أَيْ مِنْ نَصْرِ الْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ.

وَمَآلُ التَّأْوِيلَيْنِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَبِهِ يَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ الِاسْمَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ فِي تَذْيِيلِهِ

بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، فَإِنَّ الْعَزِيزَ لَا يُصَانِعُ، وَالْعَلِيمَ لَا يَفُوتُهُ الْحَقُّ، وَيَظْهَرُ حسن موقع التفريغ بقوله:

[79]

[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 79]

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)

فُرِّعَتِ الْفَاءُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّ رَبَّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي شَأْنِ الْقُرْآنِ أَمْرًا لِلرَّسُولِ بِأَنْ يَطْمَئِنَّ بَالًا وَيَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ فِيمَا يَقْضِي بِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِحَقِّهِ، وَعَلَى مُعَانِدِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، فَالْأَمْرُ بِالتَّوَكُّلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي كِنَايَتِهِ وَصَرِيحِهِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِهِ أَنَّهُ أَدَّى رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَأَنَّ إِعْرَاضَ الْمُعْرِضِينَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ تَقْصِيرًا مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ مَعْنًى تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآن كَقَوْلِه فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [الْكَهْف: 6] وَقَوْلِهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [النَّمْل: 70] .

وَالتَّوَكُّلُ: تَفَعَّلٌ مِنْ وَكَّلَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ، إِذَا أَسْنَدَ إِلَيْهِ تَدْبِيرَهُ وَمُبَاشَرَتَهُ، فَالتَّفَعُّلُ لِلْمُبَالَغَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي آلِ عِمْرَانَ [159] ، وَقَوْلِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا فِي الْمَائِدَةِ [23] وَقَوْلِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [11] .

وَقَدْ وَقَعَتْ جُمْلَةُ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ مَوْقِعًا لَمْ يُخَاطِبِ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدًا مِنْ رُسُلِهِ بِمِثْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً لِرَسُولِهِ بِالْعَظَمَةِ الْكَامِلَةِ الْمُنَزَّهَةِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ عَلَى مِنَ التَّمَكُّنِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَقِّ مِنْ مَعْنًى جَامِعٍ لِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ.

وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَصْفُ مُبِينٍ مِنَ الْوُضُوحِ وَالنُّهُوضِ.

وَجَاءَتْ جُمْلَةُ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ مَجِيءَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ فَلَا يَتَرَقَّبُ مِنْ تَوَكُّلِهِ عَلَى الْحَكَمِ الْعَدْلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015