أَرَاهُ آيَةً أُخْرَى. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِك أَن يَجْعَل لَهُ مَا تَطْمَئِنُّ لَهُ نَفْسُهُ مِنْ تَأْيِيدِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عِنْدَ لِقَاءِ فِرْعَوْنَ.

وَقَوْلُهُ: فِي تِسْعِ آياتٍ حَالٌ مِنْ تَخْرُجْ بَيْضاءَ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا آيَةً مِنْ تِسْعِ

آيَاتٍ، وإِلى فِرْعَوْنَ صِفَةٌ لِآيَاتٍ، أَيْ آيَاتٌ مَسُوقَةٌ إِلَى فِرْعَوْنَ. وَفِي هَذَا إِيذَانٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ إِيجَازًا وَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ مُوسَى بِأَنْ يَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ كَمَا بُيِّنَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ.

وَالْآيَاتُ هِيَ: الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالْقَحْطُ، وَانْفِلَاقُ الْبَحْرِ وَهُوَ أَعْظَمُهَا، وَقَدْ عُدَّ بَعْضُهَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَجَمَعَهَا الْفَيْرُوزْآبَادِي فِي بَيْتٍ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ (تِسْعٍ) مِنَ «الْقَامُوسِ» وَهُوَ:

عَصًا سَنَةٌ بَحْرٌ جَرَادٌ وَقُمَّلٌ ... يَدٌ وَدَمٌ بَعْدَ الضفادع طوفان

[13، 14]

[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)

أوجز بَقِيَّة الْقِصَّة وَانْتَقَلَ إِلَى الْعِبْرَةِ بِتَكْذِيبِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْآيَاتِ، لِيَعْتَبِرَ بِذَلِكَ حَالُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَصَدَ مِنْ هَذَا الْإِيجَازِ طَيَّ بِسَاطِ الْقِصَّةِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهَا إِلَى قِصَّةِ دَاوُدَ ثُمَّ قِصَّةِ سُلَيْمَانَ الْمَبْسُوطَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَالْمُرَادُ بِمَجِيءِ الْآيَاتِ حُصُولُهَا وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى وَهِيَ الْآيَاتُ الثَّمَانِ الَّتِي قَبْلَ الْغَرَقِ.

وَالْمُبْصِرَةُ: الظَّاهِرَةُ. صِيغَ لَهَا وَزْنُ اسْمِ فَاعِلِ الْإِبْصَارِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَإِنَّمَا الْمُبْصِرُ النَّاظِرُ إِلَيْهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [59] .

وَالْجُحُودُ: الْإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ.

واسْتَيْقَنَتْها بِمَعْنَى أَيْقَنَتْ بِهَا، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ وَعُدِّيَ الْفِعْلُ إِلَى الْمَجْرُورِ عَلَى التَّوَسُّعِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ تَحَقَّقَتْهَا عُقُولُهُمْ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015