وَانْتِصَابُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلتَّعْلِيمِ يُشْبِهُ مَسَّ النَّارِ للسراج وَهَذَا يومىء إِلَى اسْتِمْرَارِ هَذَا الْإِرْشَادِ.
كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ شَجَرَةٍ يوميء إِلَى الْحَاجَةِ إِلَى اجْتِهَادِ عُلَمَاءِ الدِّينِ فِي اسْتِخْرَاجِ إِرْشَادِهِ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ اسْتِخْرَاجَ الزَّيْتِ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِصَارِ الثَّمَرَةِ وَهُوَ الِاسْتِنْبَاطُ.
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
هَذِهِ الْجُمَلُ الثَّلَاثُ مُعْتَرِضَةٌ أَوْ تَذْيِيلٌ لِلتَّمْثِيلِ. وَالْمَعْنَى: دَفْعُ التَّعَجُّبِ مِنْ عَدَمِ اهْتِدَاءِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا لَمْ يَشَأْ هَدْيَ أَحَدٍ خَلَقَهُ وَجَبَلَهُ عَلَى الْعِنَادِ وَالْكُفْرِ.
وَأَنَّ اللَّهَ يَضْرِبُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ مَرْجُوًّا مِنْهُمُ التَّذَكُّرُ بِهَا: فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُ بِهَا فَيَهْتَدِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِضُ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى ضَلَالِهِ وَلَكِنْ شَأْنُ تِلْكَ الْأَمْثَالِ أَنْ يَهْتَدِيَ بِهَا غَيْرُ مَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا، أَيْ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ. وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ مَنْ هُوَ قَابِلٌ لِلْهُدَى وَمَنْ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى غَيِّهِ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعْدِ لِلْأَوَّلِينَ والوعيد للآخرين.
[36- 38]
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ