الثَّالِثِ الْمَسِيحِيِّ أَهْلُ الْبُنْدُقِيَّةِ وَلَوَّنُوهُ وَزَيَّنُوهُ بِالذَّهَبِ وَمَا زَالَتِ الْبُنْدُقِيَّةُ إِلَى الْآنَ مَصْدَرَ دَقَائِقِ صُنْعِ الزُّجَاجِ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهِ وَأَلْوَانِهِ يَتَنَافَسُ فِيهِ أَهْلُ الْأَذْوَاقِ.

وَكَذَلِكَ بِلَادُ (بُوهِيمْيَا) مِنْ أَرْضِ (الْمَجَرِ) لِجَوْدَةِ التُّرَابِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ فِي بِلَادِهِمْ. وَمِنْ أَصْلَحِ مَا انْتُفِعَ فِيهِ الزُّجَاجُ اتِّخَاذُ أَطْبَاقٍ مِنْهُ تُوضَعُ عَلَى الْكُوَى النَّافِذَةِ وَالشَّبَابِيكِ لِتَمْنَعَ الرِّيَاحَ وَبَرْدَ الشِّتَاءِ وَالْمَطَرَ عَنْ سُكَّانِ الْبُيُوتِ وَلَا يَحْجِبُ عَنْ سُكَّانِهَا الضَّوْءَ. وَكَانَ ابْتِكَارُ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْأَطْبَاقِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ مِنَ التَّارِيخِ الْمَسِيحِيِّ وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهِ لِعُسْرِ اسْتِعْمَالِهِ وَسُرْعَةِ تَصَدُّعِهِ فِي النَّقْلِ وَوَفْرَةِ ثَمَنِهِ، وَلِذَلِكَ اتُّخِذَ فِي النَّوَافِذِ أَوَّلَ الْأَمْرِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُصْنَعُ فِيهَا فَبَقِيَ زَمَانًا طَوِيلًا خَاصًّا بِمَنَازِلِ الْمُلُوكِ وَالْأَثْرِيَاءِ.

وَالْكَوْكَبُ: النَّجْمُ، وَالدُّرِّيُّ- بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ وَاحِدُ الدَّرَارِيِّ وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّاطِعَةُ النُّورِ مِثْلُ الزُّهَرَةِ وَالْمُشْتَرِي مَنْسُوبَةً إِلَى الدُّرِّ فِي صَفَاءِ اللَّوْنِ وَبَيَاضِهِ، وَالْيَاءُ فِيهِ يَاءُ النِّسْبَةِ وَهِيَ نِسْبَةُ الْمُشَابَهَةِ كَمَا فِي قَوْلِ طَرَفَةَ يَصِفُ رَاحِلَتَهُ:

جَمَالِيَّةٌ وَجْنَاءُ ... الْبَيْتُ

أَيْ كَالْجَمَلِ فِي عِظَمِ الْجُثَّةِ وَفِي الْقُوَّةِ. وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ «بَاتَ بِلَيْلَةٍ نَابِغِيَّةٍ» أَيْ كَلِيلَةِ النَّابِغَةِ فِي قَوْلِهِ:

فَبِتُّ كَأَنِّي سَاوَرَتْنِي ضَئِيلَةٌ ... الْأَبْيَاتِ قَالَ الْحَرِيرِيُّ: «فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ نَابِغِيَّةٍ. وَأَحْزَانٍ يَعْقُوبِيَّةٍ» الْمَقَامَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: وَرْدِيُّ اللَّوْنِ، أَيْ كَلَوْنِ الْوَرْدِ. وَالدُّرُّ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْإِشْرَاقِ وَالصَّفَاءِ.

قَالَ لَبِيَدٌ:

وَتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلَامِ مُنِيرَةً ... كَجُمَانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا

وَقِيلَ: الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى كَوْكَبِ الزُّهَرَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015