مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ.

يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ [النُّور: 34] إِذْ كَانَ يَنْطَوِي فِي مَعْنَى آياتٍ وَوَصْفِهَا بِ مُبَيِّناتٍ مَا يَسْتَشْرِفُ إِلَيْهِ السَّامِعُ مِنْ بَيَانٍ لِمَا هِيَ الْآيَاتُ وَمَا هُوَ تَبْيِينُهَا، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا. وَوَقَعَتْ جُمْلَةُ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا تَمْهِيدًا لِعَظَمَةِ هَذَا النُّورِ الْمُمَثَّلِ بِالْمِشْكَاةِ.

وَجَرَى كَلَامٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَيَكُونُ مَوْقِعُهَا مَوْقِعَ عَطْفِ الْبَيَانِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ فَلَمْ تُعْطَفْ.

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: نُورِهِ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ، أَيْ مَثَلُ نُورِ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِ نُورِهِ كِتَابُهُ أَوِ الدِّينُ الَّذِي اخْتَارَهُ، أَيْ مَثَلُهُ فِي إِنَارَةِ عُقُولِ الْمُهْتَدِينَ.

فَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ إِرْشَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَيْئَةِ الْمِصْبَاحِ الَّذِي حَفَّتْ بِهِ وَسَائِلُ قُوَّةِ الْإِشْرَاقِ فَهُوَ نُورُ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ. وَإِنَّمَا أُوثِرَ تَشْبِيهُهُ بِالْمِصْبَاحِ الْمَوْصُوفِ بِمَا مَعَهُ مِنَ

الصِّفَاتِ دُونَ أَنْ يُشَبَّهَ نُورُهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِقَصْدِ إِكْمَالِ مُشَابَهَةِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا بِأَنَّهَا حَالَةُ ظُهُورِ نُورٍ يَبْدُو فِي خِلَالِ ظُلْمَةٍ فَتَنْقَشِعُ بِهِ تِلْكَ الظُّلْمَةُ فِي مِسَاحَةٍ يُرَادُ تَنْوِيرُهَا. وَدُونَ أَنْ يُشَبَّهَ بِهَيْئَةِ بُزُوغِ الْقَمَرِ فِي خِلَالِ ظُلْمَةِ الْأُفُقِ لِقَصْدِ إِكْمَالِ الْمُشَابَهَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015