: «غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ وَاللَّهِ لَهُنَّ وَاللَّهِ» . وَجَعَلُوا فَائِدَةَ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ عَذَرَ الْمُكْرَهَاتِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ، وَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْبَقَرَة: 173] . وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ لِلَّذِينِ يُكْرِهُونَ الْإِمَاءَ عَلَى الْبِغَاءِ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ قَدَّرَ الْمَحْذُوفَ ضَمِيرَ (مِنْ) الشَّرْطِيَّةِ، أَيْ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُ، وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُقْلِعَ وَيَتُوبَ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بعيد.
وَقَوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ إِذْ حُذِفَ الْجَوَابُ إِيجَازًا وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ بِذِكْرِ عِلَّتِهِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِأَمْثَالِهِنَّ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِ جَرِيمَةٍ. وَالْفَاءُ رَابِطَةُ الْجَوَابِ.
وَحَرْفُ (إِنَّ) فِي هَذَا الْمَقَامِ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَيُغْنِي غِنَاءَ لَام التَّعْلِيل.
[34]
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
ذُيِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَالْمَوَاعِظُ الَّتِي سَبَقَتْ بِإِثْبَاتِ نَفْعِهَا وَجَدْوَاهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيُقِيمُ عَمُودَ جَمَاعَتِهِمْ وَيُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَيُزِيلُ مِنَ الْأَذْهَانِ اشْتِبَاهَ الصَّوَابِ بِالْخَطَأِ فَيَعْلَمُ النَّاسُ طُرُقَ النَّظَرِ الصَّائِبِ وَالتَّفْكِيرِ الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ لِمَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّدَبُّرِ فِيهَا وَلِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْأُمَّةِ بِإِنْزَالِهَا لِيَشْكُرُوا اللَّهَ حَقَّ شُكْرِهِ.
وَوَصَفَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُنَزَّلَةَ بِثَلَاثِ صِفَاتٍ كَمَا وَصَفَ السُّورَةَ فِي طَالِعَتِهَا بِثَلَاثِ صِفَاتٍ. وَالْمَقْصِدُ مِنَ الْأَوْصَافِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ الِامْتِنَانُ فَكَانَ هَذَا يُشْبِهُ رَدَّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ، فَجُمْلَةُ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافَ التَّذْيِيلِ وَكَانَ مُقْتَضَى
الظَّاهِرِ أَنْ لَا تُعْطَفَ لِأَنَّ شَأْنَ التَّذْيِيلِ وَالِاسْتِئْنَافِ الْفَصْلُ كَمَا فُصِلَتْ أُخْتُهَا الْآتِيَةُ قَرِيبًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: