فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ إِلَخْ ... عَائِدًا الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَج: 11] .

وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: بَعْدَ مُعَادِ الضَّمِيرِ، وَثَانِيهِمَا:

التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ عِبَادَتَهُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ نَاشِئَةٌ عَنْ ظَنِّهِ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ صَمَّمَ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي اتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاثِقٍ بِوَعْدِ النَّصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي يَنْصُرَهُ عَائِدٌ إِلَى مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَج: 11] عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ.

وَاسْمُ السَّماءِ مُرَادٌ بِهِ الْمَعْنَى الْمَشْهُورُ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ أَيْضًا أَخْذًا بِمَا رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ (يَعْنِي عبد الرحمان بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ قَالَ: هِيَ السَّمَاءُ الْمَعْرُوفَةُ، يَعْنِي الْمُظِلَّةَ. فَالْمَعْنَى: فَلْيَنُطْ حَبْلًا بِالسَّمَاءِ مَرْبُوطًا بِهِ ثُمَّ يَقْطَعْهُ فَيَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ فَيَتَمَزَّقُ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ فِعْلُهُ شَيْئًا مِنْ إِزَالَةِ غَيْظِهِ.

ومفعول لْيَقْطَعْ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ لْيَقْطَعْهُ، أَيْ لِيَقْطَعِ السَّبَبَ.

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ لِلتَّعْجِيزِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْجَوَابِ عَلَى حُصُولِ شَرْطٍ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَن: 33] .

وَأَمَّا اسْتِخْرَاجُ مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ نَظْمِهَا فَإِنَّهَا نُسِجَتْ عَلَى إِيجَازٍ بَدِيعٍ، شَبَّهَتْ حَالَةَ اسْتِبْطَانِ هَذَا الْفَرِيقِ الْكُفْرَ وَإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ عَلَى حَنَقٍ، أَوْ حَالَةَ تَرَدُّدِهِمْ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفَّارِ بِحَالَةِ الْمُغْتَاظِ مِمَّا صَنَعَ فَقِيلَ لَهُمْ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015