وَاخْتِلَافُ طُرُقِ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ حَاصِلًا لِلْمُحِقِّ، فَمَضْمُونُهَا أَنَّهَا الْفِقْهُ فِي الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ مِنْ قَبْلُ.

وخلاصتها أَن دَاوُود جَلَسَ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَانَ ابْنُهُ سُلَيْمَانُ حِينَئِذٍ يَافِعًا فَكَانَ يَجْلِسُ خَارِجَ بَابِ بَيْتِ الْقَضَاءِ. فاختصم إِلَى دَاوُود رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَامِلٌ فِي حَرْثٍ لِجَمَاعَةٍ فِي زَرْعٍ أَوْ كَرْمٍ، وَالْآخَرُ رَاعِي غَنَمٍ لِجَمَاعَةٍ، فَدَخَلَتِ الْغَنَمُ الْحَرْثَ لَيْلًا فَأَفْسَدَتْ مَا فِيهِ فَقضى دَاوُود أَنْ تُعْطَى الْغَنَمُ لِأَصْحَابِ الْحَرْثِ إِذْ كَانَ ثَمَنُ تِلْكَ الْغَنَمِ يُسَاوِي ثَمَنَ مَا تَلِفَ مِنْ ذَلِكَ الْحَرْثِ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَخَرَجَ الْخَصْمَانِ فَقُصَّ أَمْرُهُمَا عَلَى سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا قَاضِيًا لَحَكَمْتُ بِغَيْرِ هَذَا. فَبلغ ذَلِك دَاوُود فَأَحْضَرَهُ وَقَالَ لَهُ: بِمَاذَا كُنْتَ تَقْضِي؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالْجَمِيعِ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يَأْخُذَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ الْحَرْثَ يَقُومُ عَلَيْهِ عَامِلُهُمْ وَيُصْلِحُهُ عَامًا كَامِلًا حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ وَيَرُدَّهُ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ أَصْحَابُ الْحَرْثِ الْغَنَمَ تُسَلَّمُ لِرَاعِيهِمْ فَيَنْتَفِعُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَنَسْلِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِذَا كَمُلَ الْحَرْثُ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ صَرَفَ إِلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَا كَانَ لَهُ. فَقَالَ دَاوُود: وُفِّقَتْ يَا بُنَيَّ. وَقَضَى بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ.

فَمَعْنَى نَفَشَتْ فِيهِ دَخَلَتْهُ لَيْلًا، قَالُوا: وَالنَّفْشُ الِانْفِلَاتُ لِلرَّعْيِ لَيْلًا. وَأُضِيفَ الْغَنَمُ إِلَى الْقَوْمِ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى غَنَمُ الْقَوْمِ.

وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَرْثُ شَرِكَةً بَيْنَ أُنَاسٍ. كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا أخرجه ابْن جرير فِي «تَفْسِيره» من كَلَام مُجَاهِد وَمرَّة وَقَتَادَة، وَمَا أخرجه ابْن كثير فِي «تَفْسِيرِهِ» عَنْ مَسْرُوقٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ «الْكَشَّافِ» . وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى مِنْ ذِكْرِ رَجُلَيْنِ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّذَيْنِ حَضَرَا لِلْخُصُومَةِ هُمَا رَاعِي الْغَنَمِ وَعَامِلُ الْحَرْثِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015