وَضَمِيرُ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ كافِرُونَ يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ الْحَصْرَ، أَيْ هُمْ كَافِرُونَ بِالْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ لِإِفَادَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ بَاقُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ مَعَ تَوَفُّرِ الْآيَاتِ وَالنُّذُرِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ تَحْقِيقًا لِدَوَامِ كُفْرِهِمْ مَعَ ظُهُورِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُقْلِعَهُمْ عَن الْكفْر.

[37]

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

جُمْلَةُ خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْأَنْبِيَاء:

36] وَبَيْنَ جُمْلَةِ سَأُرِيكُمْ آياتِي، جُعِلَتْ مُقَدِّمَةً لِجُمْلَةِ سَأُرِيكُمْ آياتِي. أَمَّا جُمْلَةُ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الْأَنْبِيَاء: 36] وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ [الْأَنْبِيَاء: 38] ، لِأَنَّ قَوْلَهَ تَعَالَى: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الْأَنْبِيَاء: 36] يُثِيرُ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ تَسَاؤُلًا عَنْ مَدَى إِمْهَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا جَاءَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ الْجُمَلِ الَّتِي تَحْكِي أَقْوَالَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا. فَالْخِطَابُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَسْتَبْطِئُونَ حُلُولَ الْوَعِيدِ الَّذِي توعد فَالله تَعَالَى بِهِ الْمُكَذِّبِينَ.

وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ ذِكْرَ اسْتِهْزَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَيِّجُ حَنَقَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ فَيَوَدُّوا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُكَذِّبِينَ الْوَعِيدُ عَاجِلًا فَخُوطِبُوا بِالتَّرَيُّثِ وَأَنْ لَا يَسْتَعْجِلُوا رَبَّهُمْ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فِي تَوْقِيتِ حُلُولِ الْوَعِيدِ وَمَا فِي تَأْخِيرِ نُزُولِهِ مِنَ الْمَصَالِحِ لِلدِّينِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015