اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِدَعْوَاهُمْ، أَيْ مَا زَالُوا يُكَرِّرُونَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ يَدْعُونَ بِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَهَذَا الْوَجْهُ يُرَجِّحُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ لِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ [الْأَنْبِيَاء: 13] لِأَنَّ شَأْنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَقُولُهَا الْخَائِفُ أَنْ يُكَرِّرَهَا إِذْ يَغِيبُ رَأْيُهُ فَلَا يَهْتَدِي لِلْإِتْيَانِ بِكَلَامٍ آخَرَ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمَسُوقِ جَوَابًا فَإِنَّهُ لَا دَاعِيَ إِلَى إِعَادَتِهِ.
وَالْمَعْنَى: فَمَا زَالُوا يُكَرِّرُونَ مَقَالَتَهُمْ تِلْكَ حَتَّى هَلَكُوا عَنْ آخِرِهِمْ.
وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْقَوْلُ دَعْوَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ، وَالدُّعَاءُ يُسَمَّى دَعْوَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ فِي [سُورَةِ يُونُسَ: 10] . أَيْ فَمَا زَالَ يُكَرَّرُ دُعَاؤُهُمْ بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُفُّوا عَنْهُ إِلَى أَنْ صَيَّرْنَاهُمْ كَالْحَصِيدِ، أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ.
وَحَرْفُ حَتَّى مُؤْذِنٌ بِنِهَايَةِ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ.
وَالْحَصِيدُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيِ الْمَحْصُودُ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُلَازِمُ الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ إِذَا جَرَتْ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِهَا كَمَا هُنَا.
وَالْحَصْدُ: جَزُّ الزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ بِالْمِنْجَلِ لَا بِالْيَدِ. وَقَدْ شَاعَ إِطْلَاقُ الْحَصِيدِ عَلَى الزَّرْعِ الْمَحْصُودِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْجَامِدِ.
وَالْخَامِدُ: اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ خَمَدَتِ النَّارُ تَخْمُدُ- بِضَمِّ الْمِيمِ- إِذَا زَالَ لَهِيبُهَا.
شُبِّهُوا بِزَرْعٍ حُصِدَ، أَيْ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَائِمًا عَلَى سُوقِهِ خَضِرًا، فَهُوَ يَتَضَمَّنُ قَبْلَ هَلَاكِهِمْ بِزَرْعٍ فِي حُسْنِ الْمَنْظَرِ وَالطَّلْعَةِ،