وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانُوا أَيَّامَئِذٍ لَا يَبِينُ لَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا وَانْتَقَلُوا إِلَى طَلَبِ شَيْءٍ آخَرَ فَسَأَلُوا عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَطَلَبُوا من النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الْقُرْآنِ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [73] .

وَالْمَعْنَى: لَا تَعْبَأْ بِهِمْ إِنْ كَرِهُوا تِلَاوَةَ بَعْضِ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ وَاتْلُ جَمِيعَ مَا أُوحِي إِلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لَهُ. فَلَمَّا وَعَدَهُمُ الْجَوَابَ عَنِ الرُّوحِ وَعَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ وَأَبَرَّ اللَّهُ وَعْدَهُ إِيَّاهُمْ قَطْعًا لِمَعْذِرَتِهِمْ بِبَيَانِ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَيَّلَ ذَلِكَ بِأَن أَمر نبيئه أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ، وَلِكَيْ لَا يُطْمِعَهُمُ الْإِجَابَةُ عَنْ بَعْضِ مَا سَأَلُوهُ بِالطَّمَعِ فِي أَنْ يُجِيبَهُمْ عَنْ كُلِّ مَا طَلَبُوهُ.

وَأَصْلُ النَّفْيِ بِ (لَا) النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ أَنَّهُ نَفْيُ وُجُودِ اسْمِهِ. وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْيُ الْإِذْنِ فِي أَنْ يُبَدِّلَ أَحَدٌ كَلِمَاتِ اللَّهِ.

وَالتَّبْدِيلُ: التَّغْيِيرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، أَيْ بِإِخْفَاءِ بَعْضِهِ بِتَرْكِ تِلَاوَةِ مَا لَا يَرْضَوْنَ بِسَمَاعِهِ مِنْ إِبْطَالِ شِرْكِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ طَعَنُوا فِي بَعْضِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ [الْكَهْف: 22] وَقَوْلُهُ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الْكَهْف: 25] .

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [34] .

فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: وَاتْلُ كِنَايَةٌ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ. وَمَا أُوحِيَ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ، أَيْ كُلَّ

مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ. وَمَفْهُومُ الْمَوْصُولِ أَنَّ مَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ لَا يَتْلُوهُ، وَهُوَ مَا اقْتَرَحُوا أَنْ يَقُولَهُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ شَطْرًا مِنَ التَّصْوِيبِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015