[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 83]

وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83)

لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ نِعْمَةً عَظِيمَةً لِلنَّاسِ، وَكَانَ إِعْرَاضُ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ حِرْمَانًا عَظِيمًا لَهُمْ مِنْ خَيْرَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنْ يَرْضَوْا بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ زِيَادَتِهِ الظَّالِمِينَ خَسَارًا مُسْتَغْرَبًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ التَّسَاؤُلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ السَّبَبِ النَّفْسَانِيِّ الَّذِي يُوقِعُ الْعُقَلَاءَ فِي مَهْوَاةِ هَذَا الْحِرْمَانِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ فِيهِ من نعْمَة هويها وَأُولِعَ بِهَا، وَهِيَ نِعْمَةٌ تَتَقَاصَرُ عَنْ أَوْجِ تِلْكَ النِّعَمِ الَّتِي حُرِمَ مِنْهَا لَوْلَا الْهَوَى الَّذِي عُلِّقَ بِهَا وَالْغُرُورُ الَّذِي أَرَاهُ إِيَّاهَا قُصَارَى الْمَطْلُوبِ، وَمَا هِيَ إِلَّا إِلَى زَوَالٍ قَرِيبٍ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمّل: 11] وَقَوْلُهُ: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ [آل عمرَان: 196- 197] .

فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَضْمُونُهَا مَقْصُودٌ بِذَاتِهِ اسْتُفِيدَ بَيَانُهَا بِوُقُوعِهَا عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ، أَيْ أَكْثَرُ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ كُفَّارٌ وَأَكْثَرَ الْعَرَبِ مُشْرِكُونَ. فَالْمَعْنَى: إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَعْرَضُوا وَإِذَا مَسَّهُمُ الشَّرُّ يَئِسُوا. وَهَذَا مُقَابِلُ حَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ كَانَ الْقُرْآنُ شِفَاءً لِأَنْفُسِهِمْ وَشُكْرُ النِّعْمَةِ مِنْ شِيَمِهِمْ وَالصَّبْرُ عَلَى الضُّرِّ مِنْ خُلُقِهِمْ.

وَالْمُرَادُ بِالْإِنْعَامِ: إِعْطَاءُ النِّعْمَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ النِّعَمَ الْكَامِلَةَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْفِيقِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الْفَاتِحَة: 7] . وَقَوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيئِينَ وَالصديقين [النِّسَاء: 69] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015