وَأَصْلُ إِطْلَاقِ الطَّائِرِ عَلَى هَذَا: إِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْمُونَ السِّهَامَ الْمَرْقُومَةَ بِأَسْمَاءِ الْمُتَقَاسِمِينَ عَلَى صُبَرِ الشَّيْءِ الْمَقْسُومِ الْمُعَدَّةِ لِلتَّوْزِيعِ. فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ السَّهْمُ الْمَرْقُومُ بِاسْمِهِ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ. وَكَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى رَمْيِ السَّهْمِ فِعْلَ الطَّيَرَانِ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِلسَّهْمِ رِيشًا فِي قُذَذِهِ لِيَخِفَّ بِهِ اخْتِرَاقُهُ الْهَوَاءَ عِنْدَ رَمْيِهِ مِنَ الْقَوْسِ، فَالطَّائِرُ هُنَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَظِّ مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ مَا يُطْلَقُ اسْمُ السَّهْمِ عَلَى حَظِّ الْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ مَا.
وَإِمَّا مِنْ زَجْرِ الطَّيْرِ لِمَعْرِفَةِ بَخْتٍ أَوْ شُؤْمِ الزَّاجِرِ مِنْ حَالَةِ الطَّيْرِ الَّتِي تَعْتَرِضُهُ فِي طَرِيقِهِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي أَسْفَارِهِمْ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فَأُطْلِقَ الطَّائِرُ عَلَى حَظِّ الْإِنْسَانِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
وَالْإِلْزَامُ: جَعَلَهُ لَازِمًا لَهُ، أَيْ غَيْرَ مُفَارِقٍ، يُقَالُ: لَزِمَهُ إِذَا لَمْ يُفَارِقْهُ.
وَقَوْلُهُ: فِي عُنُقِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْمُلَازَمَةِ وَالْقُرْبِ، أَيْ عَمَلُهُ لَازِمٌ لَهُ لُزُومَ الْقِلَادَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ تُقَلِّدُهَا طَوْقَ الْحَمَامَةِ، فَلِذَلِكَ خُصَّتْ بِالْعُنُقِ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ تُوضَعُ فِي عُنُقِ الْمَرْأَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
وَالشِّعْرُ قَلَّدْتُهُ سَلامَة ذَا فا ... ئش وَالشَّيْءُ حَيْثُمَا جُعِلَا (?)
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا لِحَالَةٍ لَعَلَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْعَرَبِ وَهِيَ وَضْعُ عَلَامَاتٍ تُعَلَّقُ فِي الرِّقَابِ لِلَّذِينَ يُعَيَّنُونَ لِعَمَلٍ مَا أَوْ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَقَدْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ يُجْعَلُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، كَمَا قَالَ بَشَّارٌ:
كَتَبَ الْحُبُّ لَهَا فِي عُنُقِي ... مَوْضِعَ الْخَاتم من أَهله الذِّمَمِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي عُنُقِهِ تَمْثِيلًا بِالْبَعِيرِ الَّذِي يُوسَمُ فِي عُنُقِهِ بِسِمَةٍ كَيْلَا يَخْتَلِطَ بِغَيْرِهِ، أَوِ الَّذِي يُوضَعُ فِي عُنُقِهِ جَلْجَلٌ لِكَيْلَا يَضِلَّ عَنْ صَاحِبِهِ.