وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ آيَةَ فُصِّلَتْ لَيْسَ فِيهَا تَجْرِيدٌ، إِذِ التَّقْدِيرُ فِيهَا:

فَعَمَلُهُ لنَفسِهِ وإساءته عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُقَدَّرُ اسْمًا كَانَ الْمَجْرُورُ بَعْدَهُ مُسْتَقِرًّا غَيْرَ حَرْفِ تَعْدِيَةٍ، فَجَرَى عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِخْبَارُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَافِعًا فَيُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِاللَّامِ، أَوْ ضَارًّا يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِ (إِلَى) ، وَأَمَّا آيَةُ الْإِسْرَاءِ فَفِعْلُ «أَحْسَنْتُمْ وَأَسَأْتُمُ» الْوَاقِعَانِ فِي الْجَوَابَيْنِ مُقْتَضِيَانِ التَّجْرِيدَ فَجَاءَا عَلَى أَصْلِ تَعْدِيَتِهِمَا بِاللَّامِ لَا لِقَصْدِ نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ.

فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاء: 7] ، إِذْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَإِذَا أَسَأْتُمْ وَجَاءَ وَعْدُ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ.

وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا التَّفْرِيعِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ قَضَاءً لِحَقِّ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما [الْإِسْرَاء: 5] ، وَلِحَقِّ إِفَادَةِ تَرَتُّبِ مَجِيءِ وَعْدِ الْآخِرَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، وَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ التَّقْسِيمِ إِلَى مَرَّتَيْنِ فَاتَتْ إِفَادَةُ التَّرَتُّبِ وَالتَّفَرُّعِ.

والْآخِرَةِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ، أَيْ وَعْدُ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ بَقِيَّةِ مَا قُضِيَ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ بِالْفَاءِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015